الطيب مصطفى

الطيب مصطفى : الترابي وتشتيت الكرة


[JUSTIFY]لست أدري والله.. ماذا دهى الشيخ الترابي؟

كان الرجلُ منذ شبابه الباكر متوقد الذهن وحاضر البديهة، أوتى كثيراً من الحكمة وفصل الخطاب.. يجلس مستمعاً بين تلاميذه وأقرانه ثم يسكب في نهاية الجلسة زبدة المجلس وخلاصاته ببيان رائع وقرار أروع.. لكن الترابي لم يعد هو ذلك الشاب الثلاثيني الذي حاز على أكبر عدد من أصوات دوائر الخريجين عقب ثورة
أكتوبر 1964م التي كان نجمها بلا منازع، كما لم يعد ذلك الشيخ الذي يأخذ بألباب مستمعيه، بل أعجب من ذلك أن تلاميذه من قيادات حزبه لم يعودوا كما كانوا قديماً بعد أن نصبوه زعيماً طائفياً لحزب طائفي يتبعه حيرانه ومريدوه، خاصةً من القيادات كما القطيع وفقاً لنظرية المريد لشيخه، كالميت بين يدي الغاسل.

كنا في زمانٍ غابر نفرق بين الترابي الفقيه الدستوري والمثقف الفصيح الأريب والسياسي المستنير، وبين فتاواه الفقهية التي كنا نعتبرها شأناً خاصاً به، لكن جاء حين من الدهر أصبح اتباع الترابي من القيادات يتبعونه في كل شيء حتى في الصلاة خلف بناتهم!.

أقول هذا بين يدي ما قرأته قبل أيام عن حديث للترابي حول بعض القضايا الفقهية وهو يخاطب بعض النسوة اللائي اجتمعن لتكريمه على بعض مواقفه السياسية، ولن أتعرض للسياسة في هذا المقال من قريب أو بعيد!.

ردد الترابي الآراء الفقهية نفسها التي ظل يطرحها من حين لآخر ـ مشتتاً بها الكرة عن أمور أخرى يريد أن يشغل عنها المجتمع ــ لكن اثارتها الآن والبلاد تمور بأحداث جسام كان مما جعلني اتساءل هل هذا هو الترابي القديم ذاته، أم أن خطباً عظيماً قد دهاه وأصاب من الرجل مقتلاً أو على الأقل جعله يهرف بما لا يتناسب مع عقله القديم الذي كان مدهشاً بحق ومثيراً للاعجاب؟!.

دعونا نطرح بعض التساؤلات حول ما قال في ندوته بين أولئك النساء.

تحدث الرجل عن عقوبة الرجم، وأكد أن تلك العقوبة (غير موجودة في القرآن ولم يقرها الدين الإسلامي)، وأردف أن ذلك (جاء إلى الإسلام من ملةٍ أخرى وسار عليها أهل الإسلام ولا توجد نصوص قرآنية تنص على رجم الزاني والزانية).

لن أتعرض لعقوبة الرجم، فذلك أتركه للعلماء لعلهم يفتون فيه، لكن ما أدهشني بحق أن يقول الرجل إن (ذلك غير موجود في القرآن)، وكأنه يُسقط السنة تماماً كمصدر للتشريع، معتبراً دور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقتصر فقط على إبلاغ القرآن الكريم وتلاوته على الصحابة فقط، بما يعني أنه لا توجد سنة ينبغي أن يتأسى بها المسلمون في حياتهم وسلوكهم، أو بمعنى آخر أنه بما أن جبريل لا يمكن أن يلقن المسلمين كفاحاً، فقد تم اختيار محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليقوم بهذه المهمة التلقينية!.

لكن ماذا عن كل ما يمارسه المسلمون منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وحتى قيام الساعة من أركان الإسلام؟..هل جاءت كيفية الصلاة التي نصليها اليوم في القرآن الكريم ولماذا نصلي بهذه الطريقة التي تمتلئ المساجد بممارسيها في شتى أنحاء العالم؟، لماذا لا نسقط الصلاة التي سماها (رسول الرسالة الثانية) محمود محمد طه بالصلاة (ذات الحركات) و(ننجر) صلاة كصلاة محمود (بدون حركات)؟!، لماذا نصلي الظهر أربعاً والصبح اثنتين والمغرب ثلاثاً وهكذا؟!

الحج لماذا نمارسه بهذه الكيفية التي بينها الرسول الخاتم في حجة الوداع ولماذا لا نقتصر شعائره على ما ورد في القرآن بحجة الترابي أن (ذلك غير موجود في القرآن الكريم)؟!.

لماذا نزكي بالكيفية التي نزكي بها المال وهل أورد القرآن نصاب الزكاة أم أن ذلك بينته السنة؟

ومن الآخر، لماذا لا نلغي السنة تماماً وننكب على القرآن فقط كمصدر أوحد للتشريع؟.

ويقول الترابي إن الرجم جاء من ملة أخرى وسار عليها أهل الإسلام وكأن السابقين من الأئمة الأعلام والفقهاء كانوا مجرد جهلة بالرغم من أني أكاد أجزم أن كل كتب الترابي وتفسيره (التوحيدي) لم يبلغ عظمة كتاب واحد من كتب أحدهم، وقد قلت لمحدثي من اتباع الترابي والله إن كل كتب الترابي في رأيي لا تساوي أياً من مجلدات كتاب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية.

وطالب الترابي خلال حديثه باقرار عقوبة الجلد للزاني والزانية وعدم تعريضهما للإشهار والفضيحة، وتنفيذ الرجم، وأضاف أنه يجب أن نسترهم ليتمكنوا من استئناف حياتهم لأن الدين يدعو إلى الستر.

نعم، لقد حضَّ الإسلام على الستر لكن العجيب أن الستر جاء في السنة التي يأخذ بها الترابي عندما تتفق مع هواه ويرفضها عندما تتعارض مع فتاواه!.

رغم ذلك فأن فاحشة الزنا شدد فيها القرآن الكريم، الذي يبدو أن الترابي يعتمده مصدراً أوحد للتشريع، على الإشهار وعدم الستر بل وطالب بعدم الرحمة بالزاني (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (فحنية) الترابي لا تتطابق مع هدي الإسلام الذي شدد النكير في حالة الزنا تحديداً إتساقاً مع الآية (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

أعجب أن يتجاهل الترابي الآيات المحكمات حول تلازم القرآن والسنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (..فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

والحديث ذو شجون ولولا ضيق المساحة لأفضت فيه أكثر.[/JUSTIFY]