جعفر عباس
لستُ غنيا لأنني غبي
وأحسستُ أن الزامل يعاتبني بأثر رجعي، فقد أتى عليَّ حين من الدهر كنت أعتقد فيه أن الأغنياء أساس كل البلاوي، وأن حال العالم لن ينصلح ما لم تتم مصادرة ثروات الأغنياء وتوزيعها على المعدمين، مع منحي نصيبي كاملا! هل تذكرون كيف هلل مثقفون عرب عندما قال صدام حسين عند غزوه الكويت إنه يعتزم توزيع ثروات الكويت على فقراء العرب؟ العجيب في الأمر هو أن تلك الشريحة من المثقفين كانت قد نالت نصيبها من ثروات العراق حتى قبل غزو صدام للكويت، (منهم من نال سيارة مرسيدس ومنهم الكحيان الذي رضي بساعة روليكس) ولكنهم حسبوها غلط عندما افترضوا أن نصيبهم من نفط الكويت سيجعلهم أثرياء حقيقيين! وما هو أفدح من ذلك، هو أنني كنت أعتقد أن الإنسان لا يصبح ثريا ما لم يكن «حراميا»، وإذا قال لي أحدهم إن فلان غني أبًا عن جد كنت أقول له: أكيد جده كان «حرامي».
ولكن خلال مسيرتي الصحفية ومن خلال قراءتي سمعت عجبا عن عصاميين دخلوا دنيا الأعمال مسلحين بملاليم، حولوها الى ملايين، وعرفت أن سوء ظني بالأثرياء نابع عن حقد وحسد! وحاورت ذات يوم مصرفيا خليجيا، قال لي إنه مارس التجارة لأول مرة برأسمال قدره خمسمائة ريال، فقلت له: عندي الآن 50 ألف ريال فأعطني وصفة كي أصبح غنيا، فقال لي: أعطني إياها ولا أعدك بأنك ستصبح غنيا ولكن قد أضمن لك أنها ستتضاعف لو تركتني استثمرها لك هنا وهناك، فقلت في سري: أَعَلَى هامان يا فرعون؟ تريد أن تشفط ثروتي تلك ثم تقول لي بعد سنتين أو ثلاث إن انهيارا حدث في بورصة بنغلاديش، وإن أسعار الدولار الصومالي ارتفعت مقابل الدينار السوداني، مما أدى إلى تضخم في بوركينا فاسو، مما أدى إلى هبوط مؤشر سوق المال في جيبوتي (ومثل هذا الكلام نسمعه من جماعة النشرة الجوية في منطقة الخليج فكلما هبت عواصف ترابية على الجزيرة العربية وارتفعت فيها درجات الحرارة قالوا إن ذلك ناجم عن «منخفض السودان»!!). ثم سألت محاوري الغني: اشمعنى أنت صرت غني برأسمال قدره 500 ريال وأنا لا أستطيع ان أكون غنيا بـ50 ألفا؟ فقال لي: لأنك غبي!! يعني جئته أسأل: «كيف أصير غني» طلعني غبي.. ثم شرح لي كيف أن التجارة شطارة وجسارة وخيال خصب! همهمتُ: لو كان ذلك صحيحا لكان الشعراء أغنى الناس. [/JUSTIFY]