الطيب مصطفى : وعادت “الإنتباهة”
خمسة عشر شهراً ظلت “الانتباهة” خلالها بعيدة عنا نحن الذين صنعناها من العدم ورويناها بعرقنا حتى تجاوز مطبوعها الـ 120 ألف نسخة لأول مرة في تاريخ السودان، وحينها تكأكأ عليها اللصوص رغم أنهم من أصحاب المليارات وبالرغم من أن بعضهم ممن (توهطوا) فيها بالتدليس والتزوير لم يكونوا والله العظيم يعرفون مقرها عندما كانت تحبو وتتعثر ولم يكونوا يصرفون عليها قرشاً من أموالهم الطائلة عندما كنا نحن المغدور بهم نوشك أن نتسول من أجل أن تواصل مسيرتها وتنطلق نحو القمة التي سهرنا والعاملون فيها جميعاً من أجل بلوغها.
قلت لكبيرهم الذي انساق خلف قارونهم بعد أن غدر بي عقب تنازلي عن رئاسة مجلس الإدارة مهراً لعودة “الإنتباهة” التي كانت موقوفة.. قلت له متسائلاً: هل كنت سأتنازل لك عن رئاسة المجلس لو كنت أعلم أنك ستخونني في اليوم التالي لتنازلي وتكتب خطابًا لتشطب أسهمي لدى مسجل الشركات بدون علمي؟! حار الرجل جواباً رغم تكرار السؤال في عدة خطابات ومقالات؟! حار لأنه يعلم الحقيقة التي لا يستطيع أن يصدع بها.
ماذا دهى الناس أيها الناس حتى صاروا كوحوش الغاب لا تحكمهم مثل ولا أخلاق؟ ماذا دهاهم حتى صاروا يسرقون في وضح النهار بالرغم من أنهم أثرياء؟! العجب العُجاب أن من يسرق جنيهاً واحداً يتسلل إليه ليلاً خجلاً من الناس وخوفاً من العقاب ولكن جاء زمان يسرق أهل المال نهاراً ثم يتبجّحون ويملأون حلوقهم الضخمة بالهراء بل ويقفون أمام القضاء محتجين على اتهامهم بالكذب والتضليل بل يرفعون الدعاوى والبلاغات ضدنا نحن من اغتُصِبت حقوقنا فأي جرأة وأي تطاول وأي قلة حياء بلغها أصحاب الحلاقيم الكبيرة في زمن قلَّ فيه الحياء وتطاول الباطل وخنس صوت الحق؟!
كنا نتمزق أن بعض من ناصروا الباطل يتملقون هؤلاء ويكيلون لهم من عبارات الإطراء ويمطروننا بوابل من الهجوم المليء بالأكاذيب وأكثر ما يوجع القلب أن تلك المقالات كانت تُنشر في صحيفتنا السليبة (الإنتباهة) فأي (مغص) عندما يهاجمك بعض المتكسبين الدخلاء في صحيفتك ويتهمونك بالباطل وبالأكاذيب؟!
أحدهم كان يحتل موقعاً قيادياً في منبر السلام العادل وما أن اغتصبت الإنتباهة حتى تحوَّل إلى صف من سرقوها بالرغم من أنها أُنشئت من قبل المنبر الذي كان يتقاضى ذلك الرجل من أمواله حافزاً مجزياً نظير تفرغه فأي خسة بلغها أمثال هؤلاء؟ هذا الرجل بدأ في الأيام الأخيرة حملة من داخل الإنتباهة ضدنا نحن من أنشأناها من خلال بعض المقالات المليئة بالأكاذيب، وقد خاطبته يوماً بقول الشاعر بعد أن غدر بي أنا الذي مكنته من الكتابة بالرغم من أنه كان يكاد يرفعني إلى مقام الأنبياء قبل أن يتحوّل إلى صف من استولوا على الإنتباهة.. خاطبته بقول الشاعر:
أُعلِّمه الرمايَة كل يومٍ فلما اشتدَّ ساعدُه رماني
وكم علَّمته نظمَ القوافي فلمَّا قال قافيةً هجانِي
أُريد أن أطمئن الكثيرين أنني لن أتولى رئاسة مجلس إدارة الإنتباهة بالرغم من أنني أملك غالب أسهمها حتى لا أحملها ما لا تطيق كما لن أكتب فيها إبعاداً لها من خطري عليها فهي ابنتي التي لا أقوى على تحميلها أخطار الحريق الذي واجهها بسببي وأدى إلى ما حدث لها من تضييق.
لن أختم مقالي هذا قبل أن أعبِّر عن تقديري للقضاء الذي أثبت أنه في حصن حصين من أي تأثيرات تأتيه من خارج قيم العدالة التي تحكمه وقد أشدتُ قبل نحو شهرين بالقرار الذي أصدره رئيس القضاء بإلغاء نيابة الصحافة بولاية الجزيرة وها أنذا أنحني إجلالاً للمحكمة العليا التي أصدرت حكمها الكافي الوافي بإجماع قضاتها الثلاثة.[/JUSTIFY]