جعفر عباس
الحصة «درس» للمدرسين (1)
أريد بالتحديد الخوض في مسألة نفور الطلاب من المدارس وكراهيتهم لها، وأعتقد ان المدرس يلعب دورا أساسيا في تحبيب المدرسة الى نفوس الطلاب او تنفيرهم منها. نعم، المناهج عندنا ثقيلة الدم وغير جاذبة، ولكن انظر كيف تدفع ثلاثين دولارا في طبق دجاج مشوي في فندق عن طيب خاطر، بينما نفس الطبق يباع في مطعم آخر بما يعادل ثلاثة دولارات. فالفندق يقدم لك الطبق في قالب جميل ونظيف يفتح النفس، والعاملون فيه يعطونك الإحساس بأنك فريد في عصرك! والتعليم سيم سيم، فهناك المعلم الذي يدرس مادة عسيرة الهضم مثل الرياضيات او قواعد اللغة ولكنه ينجح في شد انتباه الطلاب بأسلوبه الجذاب وبإضفاء المرح والبساطة على «المادة»، وبالمقابل هناك المدرس الذي يتصرف وكأنه شاويش (رقيب) في سلاح المشاة يدرب نفرا من المجندين ويجاهد كي يثبت لهم ان العسكرية «صعبة» وأنهم أبعد ما يكون عن روحها، ومن ثم يقسو عليهم في الطوابير ويبلغهم بأن حالتهم ميؤوس منها! ولا بأس بذلك في السلك العسكري الذي يتطلب الانقياد الأعمى لمن هم أعلى رتبة وللتعليمات والضوابط المتعارف عليها.
وهناك جيش جرار من المدرسين يستقبل كل عام دراسي جديد بنفس درجة الاكتئاب التي يستقبله بها الطلاب، فهم كارهون للمهنة لأنهم اختاروها مرغمين ويعتبرونها نقطة ترانزيت في مسيرتهم المهنية.. «شدة وتزول».. يعني هذه الفئة تدخل مجال التدريس بعقلية «أفضل من العطالة والبطالة»، وهذه الفئة تفش غلها في الطلاب وتجعل الحصة الدراسية ضربا من التعذيب النفسي وربما الجسدي، فهناك المدرس الذي يعتقد أنه لن ينال احترام طلابه ما لم يدركوا أنه «صعب وحازم وصارم» ويسعده ان الطلاب يجلسون أمامه مثل الأرانب المذعورة (يقال ان الأرنب عندما يتعرض لزنقة ويدرك أنه سيقع في قبضة الصائد يقوم بتنويم نفسه مغناطيسيا أي أنه يتبلد ويفقد القدرة على الحركة، وبالتالي يزول عنه الخوف)، وليس جلوس 40 طالبا أمام مثل هذا المعلم بلا حراك او ضجيج دليلا على أنهم ينصتون لما يقول، بل هو ناتج عن خوفهم من لسانه ويده.. وبالمقابل هناك المدرس الذي يدخل غرفة الدراسة هاشا باشا ويمضي الدقائق الأولى من الحصة في إجراء «مساج» نفسي للطلاب كي يسترخوا ويتابعوه بأعصاب هادئة ومثل هذا المدرس قد ينجح في ضبط أي انفلات طلابي بكلمة واحدة مثل «بس» أو «هس»: لين في غير ضعف وشدة في غير عنف.
وعن تجربة أقول إن المدرس العبوس الطويل اللسان واليد مكروه، ويتمنى الطلاب له المرض والإعاقة، بل – والله على ما أقول شهيد – قمت خلال عملي بالتدريس بحلول محل زميل غائب كان يقسو على الطلاب، ولما أخبرت الطلاب أن مدرسهم «الأصلي» ذاك سيتغيب لبضعة أيام لأن والده توفي، سمعت أكثر من طالب يصيح: الحمد لله!![/JUSTIFY]