[JUSTIFY]فجعنا الموت يوم الأربعاء الماضي برحيل زميلنا المصور الصحفي المخضرم صلاح عمر بالقاهرة التي كان قد غادر إليها مستشفياً، ووصل جثمانه صبيحة الخميس وتم دفنه بمقابر البكري، وآخر محطة إعلامية وصحفية عمل بها الفقيد منذ أكثر من أحد عشرة عاماً وحتى رحيله الأليم هي الغراء صحيفة الصحافة، التي زاملناه فيها لأكثر من عشر سنوات، نشهد له فيها بالدقة والمهنية وحب العمل والحرص على التميز والتجويد حتى أطلق عليه الزملاء لقب (المصور الرئاسي)، ورغم أن الموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين، إلا أن ما يحز في النفس أن فقيدنا العزيز كان في آخر أيامه في حاجة لمبلغ عشرة آلاف جنيه قيمة (حقنة) لم تتوفر له، حاول زملاؤه بالصحيفة توفيرها أو بالأحرى اقتطاعها من لحمهم الحي وإرسالها له ولكن الموت كان أسرع، وعلى كل حال لا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)… وفي مثل هذه الأيام قبل سبعة أعوام كان الناعي قد نعى الباحث المرموق الطيب محمد الطيب، الذي عانى من وعكة صحية ألزمته سرير المرض بالسلاح الطبي، وكان مما قيل بخصوصه قبل وفاته أنه سيغادر إلى دولة الإمارات لاستكمال علاجه على نفقة الدولة، وبعد يوم أو يومين قرأنا ما يفيد بأنه سيغادر إلى المملكة العربية السعودية وليس الإمارات للاستشفاء بالمستشفى السعودي الألماني، وبعد يومين أو ثلاثة سمعنا أنه غادر، ولكن ليس للمملكة أو الإمارات، وإنما غادر هذه الفانية وخرج جثمانه من أحد أحياء أم درمان التي أحبها وإلى أحد مقابرها، وليس من أحد المستشفيات الخارجية، حيث لم تفِ الحكومة بوعدها وظل فقيدنا يكابد آلامه ويصارع المرض بأحد عنابر السلاح الطبي إلى أن وافاه الأجل المحتوم…
من المعلوم أن الموت يدرك البشر ولو كانوا في بروج مشيدة أو في أحدث مشافي الدنيا، وأنه إذا جاء لا يؤخر ساعة، وأن الأجل إذا حان لن يوقفه مشفى ألماني أو أمريكي أو قاهري، ولكن ما يحز في النفس في حالتي فقيدينا المذكورين، أن صلاحاً قد مات وكان في حاجة ماسة لمبلغ تافه لم يتوفر له، كما أن رمزنا الشعبي الطيب الذي صنع رمزيته بعرق الجد والاجتهاد والعطاء وحفر اسمه في وجدان الناس وذاكرتهم بعمله وعلمه النافع وليس بوضع اليد وفرض الأمر الواقع، قد غادر هذه الفانية وفي نفسه شيء من حتى، تلك الوعود الزائفة بتكملة علاجه بالخارج، وعلى كل حال ذهب الطيب وترك خلفه ذكرى باذخة لرمز شعبي حقيقي، وليس مثل رموز الكرتون والشمع التي لا محالة زائلة وذائبة حالما تزول الظروف الطارئة التي صنعتهم.. واللهم إنا نشهد أن عبديك الطيب محمد الطيب وصلاح عمر، كانا نافعين لأهلهما وأمتهما، فاعف اللهم عنهما ووسع مدخليهما وأكرم مثواهما واجعل الجنة مستقرهما ومأواهما.
[/JUSTIFY]