عبد الجليل سليمان

لولا المشقة والسخرية


[JUSTIFY]لولا المشقة، لخصصت هذا العمود لتفنيد ودحض مزاعم المجادل الإنقاذوي الإسلاموي الأكبر مأمون حميدة بأن هجرة الكوادر الطبية المتنامية من البلاد لا تزعجه، وأنه – بحسب تعبيره (كلما هاجر فوج استبدلناه بفوج آخر)، لكن سنترك التعليق على ما قاله الوزير الولائي والمُستثمر الأبرز في الصحة والتعليم بالبلاد، لاعتقادنا الراسخ بأنه يريد – كعادته – أن يثير نوعاً من الضجة، بهدف لفت الأنظار إليه. وهذا تكنيك (قديم) وبالٍ يذهب إليه مسؤولون كثيرون كلما انطفأت جذوتهم أشعلوا أخرى.

دعهم يشعلون، وإلى أن تنطفئ مرة أخرى، دعونا نذهب إلى قضية أخرى، وهي أن الأخبار الواردة في صحف أمس وصفت ما قاله رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني في معرض رده على تسريبات صحيفة (لو موند) الفرنسية عن أن (96) مسؤولاً سودانياً لديهم حسابات بنكية في سويسرا بأن (خليهم يكشفوا عن تلك الأسماء، مثلاً أنا أحد المسؤولين الذين تقلدوا مناصب في السودان، خليهم يوروني كان عندي حساب ولاّ لا؟ هم قدروا يعرفوا الحسابات يغلبهم بعرفوا الأسماء؟)، وصفته بالساخر.

أين السخرية هنا؟ هذا ابتداءً، ثم نجيب على الدكتور بأن (نعم) يمكن أن (يغلبهم أن يكشفوا عن الأسماء)، حتى لو تعرفوا على الحسابات! وفي هذا نستطيع أن نفصل بما يشبه عملية التقطير ( نقطة نقطة)، فكثير من المصادر التي ترفد الصحف بالمعلومات، إما أن تطلب عدم كشف الأسماء، أو تقدر الصحف نفسها أن الأمر بيس ضرورياً طالما (المعلومة) الأساسية (وصلت)، وهي أن مسؤولين سودانيين ضمن عرب وأفارقة كثيرين لديهم حسابات بنكية على شكل ودائع في مصرف (HSBC) البريطاني (فرع سويسرا) تبلغ (131) مليون دولار.

وبرأيي كصحفي، فإنني أرجح صدق هذه التسريبات طالما أنها تتصل بحسابات بنكية خاصة بمسؤولين عرب وأفارقة (وفي سويسرا)، خاصة وأن الدول المشار إليها في التسريب تصنف معظمها ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم.

لذلك لا قيمة من (سخرية) – كما سمتها بعض الصحف، أو تحدي مصطفى إسماعيل لصحيفة محترمة وعالية الجودة المهنية والمصداقية بأن “اكشفي لنا عن أسماء هؤلاء”، ولو أنا ضمنهم فقولي للناس إن (مصطفى) لديه حساب، لأن مثل هذه التصريحات تجعل القراء والمستمعين العاديين يذهبون مباشرة إلى المثل الشعبي القائل (العود لو ما فيهو شق ما ب قول طق)، ولذلك ما كان لمصطفى خاصة وأنه يعمل في الاستثمار أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع تسريبات (لو موند)، لأنه بذلك يكرس لتصديقها.

سؤال أخير: أليس لهؤلاء المسؤولين مستشارون إعلاميون؟
[/JUSTIFY]