القلم لا يزيل «البلم»
أستعيد اليوم حكاية الفرنسي الذي اضطر إلى حرق جثماني أمه وأبيه بعد ان «باظت» الثلاجة؟ أعني الزوجين اللذين أوصيا بحفظ جثتيهما في ثلاجة على درجة حرارة معينة على أمل أن ينجح الطب في تاريخ لاحق في إعادة بث الحياة فيهما؟ «سبق لي سرد جانب من هذه الحكاية هنا من دون الخوض في تفاصيلها»، وكانت الزوجة قد توفيت عام 1994 فوضعها زوجها في الفريزر، ولحق هو بها قبل أربع سنوات، فوضعه ولده في «الفريزر» نفسه مع أمه، وبعدها بعدة سنوات انقطع التيار الكهربائي عن البيت وبالتالي عن الفريزر ساعات طويلة، ما جعل الجثتين تذوبان.
فما كان من الابن إلا أن قام بحرق جثماني والديه منعا لتحللهما وتعفنهما.. العجيب في الأمر أن الزوج الذي سبقته زوجته إلى الموت كان يعرض جثمانها المثلج على الزوار والسياح نظير مبلغ معلوم، وأوصى ابنه أيضا بأن يجعل جثمانه هو أيضا «فُرجة» للسياح إلى حين حدوث المعجزة الطبية (قبل يوم القيامة!!!!!!!) وبث الحياة فيهما مجددا. ولا تسألني: أين كانت الشرطة والسلطات الأمنية الفرنسية، وهناك اتجار بالبشر وهم أموات.
ويقولون لنا إن الغربيين عقلانيون ويتعاملون مع الموت بعقلانية لكونه مصيرا حتميا لكل ابن آدم، ومن ثم لا يبكون موتاهم كما نفعل نحن الشرقيين «العاطفيين».. دعونا من الفرنسيين وتعالوا نقرأ «معليش للمرة ال567 بعد الألف»، حكاية رجل مسلم هو محمد الفايد المليونير المعروف وصاحب فندق الريتز في باريس وحتى قبل سنوات، محلات هاردوز في لندن حيث كيلو اللحم العجالي بنحو 65 دولارا امريكيا. فعندما نجح إيان ويلموت في أحد معاهد البحوث في سكتلندا «هكذا ينبغي أن تُكتب أي من دون ألف قبل السين، مع بذل الجهد لجعل السين ساكنة» عندما نجح في استنساخ النعجة دوللي، وطرح العلماء إمكان استنساخ البشر كان الفايد أول من قال إنه يريد استنساخ نفسه كي يعيش دورة حياة جديدة. عندنا مثل جميل في السودان يقول: القلم لا يزيل بَلَم.. والبلم هو البله وقلة العقل، بمعنى أن كونك متعلما «ممسكا بالقلم» لا يعني بالضرورة أنك تخلصت من البله وقلة العقل.
والفايد بكل ثروته الهائلة ورغم السنوات الطويلة التي قضاها في الغرب «العقلاني» لا يفهم أنه حتى لو نجح في استنساخ نفسه فإن الفايد المستنسخ لن يكون «هو»، إلا من حيث الشكل.. يعني لا سبيل إلى الخلود المنشود فقد يكون المستنسخ أكثر رجاحة عقل او أكثر بلها، حسب الظروف التي يمر بها وحسب الأحداث التي تسهم في تشكيل الشخصية.. ودعونا أيضا من أن الفايد يرغب في استنساخ نفسه حتى «يظل يتمتع بملايينه»،.. ففوق كل ذلك أعلن مؤخرا أنه يرغب في تحنيط جثمانه بعد موته وجعله عقربا في ساعة عملاقة توضع في واجهة محلات هارودز حتى يظل يدور مئات السنين مثل عقارب ساعة بيغ بن الشهيرة ليقول الناس في عام 4870 انظروا.. عقرب الساعة الذي على العدد 12 هو محمد الفايد «عفارم على قطر التي اشترت هارودز فطارت شطحات الفايد».
بعض الأغنياء يأتون أفعالا تدل على قلة العقل، ويكون ذلك في غالب الأحوال على سبيل التباهي «مثل المليونير الخليجي الذي عرض ملايين الدولارات على ممثلة أفلام فاضحة نظير تناول وجبة العشاء معه».. ولكن الفايد «غير».. شكل تاني.. مستعد لفعل وقول كل شيء ليظل في دائرة الضوء ويحسب أنه بأمواله قادر على أن يقهر الموت: طيب يا فايد نشوف، والأيام بيننا!
jafabbas19@gmail.com