مساعد لا يساعد ومستشار لا يستشار
المؤكد أنكم لاحظتم مثلي أن السيدين اللذين يشغلان مواقع رسمية في الدولة، جعفر الصادق الميرغني الذي يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية وموسى هلال الذي يشغل منصب المستشار بديوان الحكم الاتحادي، إضافة إلى تمتعه بعضوية البرلمان، مختفيان منذ مدة طويلة ليس من مقار عملهما فحسب، بل من العاصمة كلها، أحدهم استعصم بربعه وأهله، والآخر لاذ بالعواصم الأخرى ربما ليعصم نفسه من القواصم، وهو المساعد الرئاسي الذي لم تطأ أقدامه أرض الوطن منذ غيبته المتطاولة عنه، دعك من أن يظهر في أي نشاط رسمي أو شعبي، ولو ظهوراً تشريفياً بروتوكولياً مراسمياً كما عهدنا منه، كما لم يصدر عنه أي تصريح أو تلميح حول أيٍّ من القضايا الساخنة التي تمور بها البلاد بعامة وحزبه بخاصة، أين هو يا تُرى ولماذا لم يشكل حضوراً مطلوباً بشدة في مثل هذه اللحظات الوطنية المهمة، هل تُراه لا قدر الله متوعك أم أنه في إجازة مفتوحة أم أنه «حردان» لم يعجبه الذي يدور والطريقة التي يدار بها، ولهذا آثر الصمت والاستعصام بالبعد، أم تراه لا يريد أن يدخل يده في «الفتة الساخنة» بل يريدها باردة سهلة التناول، فليس من الطبيعي أن يغيب رجل يحتل هذا الموقع السيادي الكبير عن واجهة الأحداث الكبيرة التي تعايشها البلاد والمخاض العسير الذي يواجهه حزبه، خاصةً وأنه قد أخذ على نفسه بالأصالة وبالوكالة عن الحزب الذي يمثله بُعيد أدائه القسم مباشرةً، أن يأخذ بيد البلاد ويخرجها إلى بر الأمان عهداً ووعداً منه ومن حزبه بعد قبوله المشاركة في الحكم مشاركة فاعلة ومسؤولة وفعلية ونافذة وليست صورية أو ديكورية أو فلكلورية أو هامشية، وأن حزبه لم يقبل المشاركة وهو شخصياً لم يقبل المنصب إلا من أجل التصدي للقضايا الكبيرة التي تأخذ بخناق البلاد والسعي لحلحلتها، فمتى إذن يظهر السيد مساعد الرئيس ويسجل حضوراً بارزاً ولافتاً في قلب الأحداث، إن لم يظهر الآن ويعلن عن نفسه وتوجهات حزبه ورأيه في كل الذي يدور الآن، وهل هناك قضايا كبيرة أكبر من هذه التي يحمى حولها وطيس الجدل وتصطرع حولها الآراء وتتباين المدارس وتنقسم الصفوف حتى داخل حزبه، مما لا تنفع معه أساليب «الخندقة والصهينة»، وما أشبه ليلة الحزب الاتحادي الأصل ببارحته، ومثل المساعد الرئاسي فقد تخندق المستشار الديواني والنائب البرلماني موسى هلال في مضارب قبيلته وافترع لنفسه طريقاً يخصه خارج الديوان والبرلمان…
على كل حال جعفر وهلال حُران فيما يفعلان ويقرران بصفتهما الشخصية، وليس لنا على ذلك تعليق، أما أن ما يزالا يشغلان تلك الوظائف السيادية رغم غيابهما المتعمد الطويل عن النهوض بمسؤوليتيهما، فذلك ما يجعلنا نتساءل بغير براءة ما إذا أضحت وظائف الدولة أشبه بالتكايا، أم أن في الأمر أن تحتاج توضيح…