الخرطوم وواشنطن.. ما وراء الأكمة؟
الثابت أن هناك دعوة أمريكية قدمت للمسؤولين السودانيين؛ لكن ما شكل وقيمة هذه الدعوة ونتائجها المنتظرة؟.. وما بين “النشوة” السودانية و”البرود” الرسمي الأمريكي تكمن حقيقة وحجم علاقات البلدين التي ظل طابعها التوتر الدبلوماسي بل بلغت ذروة التوتر عندما تطور الأمر ٌإلى هجوم أمريكي في 20 أغسطس عام 1998 بصواريخ كروز من سفن حربية أمريكية متمركزة في البحر الأحمر على مصنع للأدوية بالعاصمة الخرطوم في عملية أطلقت عليها واشنطن اسم “عملية الوصول اللانهائي”.. وقد اتهمت الولايات المتحدة السودان بأنه كان يساعد أسامة بن لادن العقل المدبر لهجمات السفارة الأمريكية في كينيا وذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي – حينذاك – ريتشارد كلارك أن المخابرات وجدت علاقة بين بن لادن من جانب وبين مصنع الشفاء وخبراء غاز الأعصاب العراقي والجبهة الإسلامية القومية من جانب آخر.. وقبل الضربة العسكرية بعام قالت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بل كلينتون، مادلين أولبرايت في العاصمة الأوغندية كمبالا موجهة حديثها للمعارضة السودانية حيث طالبتها بضرورة توحيد صفوف المعارضة بكل مكوناتها، والعمل على إسقاط النظام في الخرطوم بكافة الوسائل السلمية والعسكرية.. وتضع واشنطن السودان ضمن لائحة الدول الراعية للإرهاب وتفرض عليه عقوبات اقتصادية قاسية، منذ العام 1997 حيث أثرت على قطاعات حيوية في مقدمتها الطيران والسكك الحديدية والنقل بشكل عام وأن خسائر تلك المقاطعة تتجاوز الـ(40) مليار و(531) مليون دولار.
لاحقا وبعد عودته من الولايات المتحدة بينما أعقبه إلى هناك مساعد الرئيس، خفض وزير الخارجية من سقف طموحات الخرطوم وقال: “كلمة تطبيع هذه هدف بعيد ونحن نحتاج إلى تصفية بعض الموضوعات العالقة وإيضاحها وبيانها وهذا لا يتم إلا عبر الحوار”.. وأضاف: “زيارة مساعد الرئيس تعد تعبيرا عن موقف الإدارة الأمريكية لمواصلة الحوار مع الحكومة السودانية”.. وكانت لوقت قريب قناعة وزير الخارجية تسير عكس اتجاه التفاؤل الحذر الذي يبديه اليوم حيث ذكر في بيان له حول خطة وزارته للعام 2015 أمام البرلمان، إن علاقات السودان مع أمريكا لا تزال تراوح مكانها، وأن مبعوثو واشنطن يزورون الخرطوم ويجتمعون بالمسؤولين السودانيين ثم يعودون إلى بلادهم دون تحقيق أي تقدم حقيقي خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية. لذلك كله نجد من الصعوبة بمكان إعتبار الحديث عن الحوار بين البلدين فيه جديد باعتبار أن الحوار ظل مستمرا في أحلك الظروف وعبر وسائل مختلفة وطرق متعددة.. فما لم تكن هناك أجندة واضحة للحوار فإنه يكون حوارا بلا معنى.. فأين هي أجندة الحوار؟.
لكن من المنظور الإستراتيجي أين تقف علاقات البلدين؟.. خاصة وأن اهتمام الولايات المتحدة بالسودان ليس أمرا جديدًا حيث له بعدا تاريخيا، فلقد كانت عينها على السودان منذ العام 1910 حينما زاره الرئيس الأمريكي الأسبق تيدور روزفلت الخرطوم زيارة رسمية.. فالحقيقة غير الغائبة أن السودان يقع في قلب الصراع الاستراتيجي الدولي تماماً، والصراع الاستراتيجي يدور حول الطاقة والمياه والصراع والاراضي الزراعية والموقع الإستراتيجي.. والنفط واليورانيوم المتوفران في السودان من المعالم الاستراتيجية التي يدور حولها الصراع الاستراتيجي واليورانيوم مرتبط بنظرية الطاقة الأعظم وهي نظرية للصراع الاستراتيجي ومن يمتلكه يمتلك القوة الأعظم ويسود العالم ويوجد في دارفور وفي جنوب كردفان فضلا عن الأراضي زراعية الواسعة وهي كذلك واحدة من معالم الصراع الاستراتيجي وقد استنفدت كل المساحات الزراعية في العالم في ظل فجوة اقتصادية زراعية عالمية. وهذا ربما شجع قيادات بالحزب الحاكم لتقول منتشية أن أمريكا أدركت أن مصالحها مع السودان لن تمر عن طريق أمر المواجهة الذي اعتمدته في السابق لإسقاط نظام المؤتمر الوطني وأن هذا الإدراك أخذ في الزيادة عقب انفصال الجنوب، حيث إن التفاهمات أصبحت أكثر بكثير وأن الرؤى المشتركة باتت تمثل حيزًا كبيرًا من العلاقات بين البلدين.
ليس من السهل أن تدع واشنطن وتتخلى عن سعيها لمنع نظام يوصم بتبني ما تعتبره إسلاما سياسيا في الخرطوم من أن يتمكن ويؤسس اتفاقات استراتيجية مع الصين أو غيرهما فذلك يمثل خطرا عليها بامتلاك سلع استراتيجية في الساحة الدولية. كذلك فإن السودان في قلب الإستراتيجية الصهيونية التي ترى أن استقرار السودان واستغلاله موارده بمعزل عن واشنطن يتنافى مع أمن إسرائيل. وعبّر تقرير صادر عن البنتاجون عام 1999 عن خطورة قيام حكم ذو طابع إسلامي حيث سيتسبب في خلق حالة من البلبلة في المنطقة عكس ما تريد الولايات المتحدة بإحداث التغيير لكن على نسق علماني.[/JUSTIFY]