الطاهر ساتي

كنت تائه !

[JUSTIFY]:: رغم أن الصيام مرفوع عن المصابين بالأمراض النفسية، جاء أحدهم إلى مفتي الديار سائلاً : (يا شيخنا، بالغلط يدي شالت كباية الشاي و دخلتها في خشمي لامن شربتها كلها)، فأفتى له المفتى بأن يواصل الصيام ويقضي اليوم بعد العيد.. فرجع، ثم عاد سائلاً : ( يا شيخنا بالغلط يدي شالت نص قراصة من فطور الأولاد ودخلتها في خشمي لامن شبعت)، فأفتى له المفتي بأن يواصل الصوم، ثم يقضي اليوم بعد اليوم..فرجع، وعاد سائلاً : ( يا شيخنا بالغلط يدي طرقتين كسرة من غداء الأولاد وغمستها في الملوخية ودخلتها في خشمي لامن شبعت)، فأفتى له المفتى بأن يُكبل يده طوال شهر رمضان ..!!

:: وتقريباً بهذا النوع من التوهان، غادر سراج النعيم – صحفي بالدار – منزل أسرته بالخرطوم إلى حيث أهله بعطبرة صباح الجمعة، لتضج الصحف والمواقع الإلكترونية وأجهزة الهواتف بخبر غير صحيح مفاده ( إختفاء صحفي في ظروف غامضة)..وللأسف، تم تغليف الخبر غير الصحيح بقصة خيالية تتهم – تصريحاً وتلميحاً- بعض الأبرياء بالوقوف خلف هذا الإختفاء المزعوم، ولقد أحسن الأخ الأستاذ مبارك البلال عملاً وقولاً عندما نفى الشائعات وما فيها من إتهامات وطالب الجميع بأنتظار التحريات الشرطية..ومع ذلك إنتشرت الشائعات..بعد إنتشارها ونشرها بساعات، تحرت الشرطة ورصدت هاتف سراج ثم حددت مكان تواجده، وذهبت إليه لتجده بخير وعافية مع أهله..( كنت في حالة توهان)، هكذا قال للشرطة ثم عاد – أو سيعود – إلى الخرطوم..!!

:: آثار هذا التصرف غير المسؤول على أمن المجتمع والإقتصاد والإستثمار ليس مهماً في بلاد بعض ساستها وبعض صحفييها سواسية في (الجهل)..فالمهم، كما في الأمراض العضوية الملاريا الحميدة والأورام الحميدة، نأمل أن يسمى هذا أيضاً ب ( التوهان الحميد).. فالتوهان – قبل حالة سراج – كان يذهب بالتائه إلى النيل أو الفيافي ليموت غرقاً أو عطشاً، أو – في أحسن الظروف – يخرجهم من بيوتهم إلى الشوارع التي حولها ثم إلى أقرب ( صينية حركة)..ولكن أخيراً، تم إكتشاف ( التوهان الحميد)..فلنطمئن،هذا النوع من التوهان (مفيد إلى حد ما)، إذ يجول بك وسط أهلك ومعارفك – أينما كانوا – لتصل أرحامك وتواصل أحبابك بكل (أريحية وترحاب)..!!

:: ومن مزايا التوهان الحميد- وهي غير متوفرة في كل حالات اليقظة الكاملة – إنك تستطيع أن تحجز مقعدك في القطار والبص وتقطع التذاكر ثم تصل المدينة المستهدفة بالزيارة، ثم تركب التاكسي أو الركشة من المحطة، وبالتأكيد لن تنسى أن تصف للسائق : ( لف يمين، اخد شمالك، إمشي طوالي، شايف الباب اللبني داك، بس اقيف، حسابك كم؟)، ثم تطرق الباب وترتمي في أحضان أفراد أسرتك..ولكن المحزن – وهذا أخطر ما في التوهان الحميد – إنك لاتسطيع أن تخبر الصحف والمواقع إنك مجرد تائه بتوهان حميد وليس هناك داع للقلق و(الشائعات)..!!

:: نعم، حسب التجربة، لا تسطيع نفي شائعتك رغم أنك تقرأها، ولا تستطيع الإتصال بالأهل والزملاء وتطمئنهم رغم أنك تحدق في صورك التي تضج بها الصحف، ورغم أنك تتواصل مع أصحابك بالواتساب وترصد صدى الشائعات..وبما أن هناك بلاغ – واحد فقط لاغير – بنيابة الصحافة هو مايُزعج زميلنا هذا لحد التوهان من الخرطوم إلى عطبرة كما قالت الأخبار، فهذا يعني أن العبد لله ساتي وضياء الدين بلال – من كثافة بلاغاتهما – على موعد مع توهان عظيم يصل مداه أقصى شمال الكون (جمهورية آيسلندا)..!![/JUSTIFY]