حيدر المكاشفي

عندما حاولت أن أصير بطلاً بسبب الغابات

[JUSTIFY]في فاتحة المؤتمر الحادي والعشرين للغابات الذي دشّن أعماله الأول من أمس، تجددت الشكوى من الحال البائس الذي صار عليه هذا المورد القومي فائق الأهمية لو قومي يعقلون، ولو حاولت أن أعدد فوائد الغابات المباشرة وغير المباشرة لما وسعتها هذه المساحة، بل ولما كفتها كل صفحات الصحيفة من اللوقو وإلى آخر سطر في الأخيرة، ولكن يكفيني في هذه العجالة ذلك الدعاء الشعبي الصادق الذي تدعو به الأمهات والجدات لمن ينال أو تنال رضاءهن من الأولاد والبنات والأحفاد والحفيدات، فتقول الواحدة منهن لمن يحوز أو تحوز عفوها ورضاها وأعجابها «إن شاء الله يا يابا تبقى غابة والناس حطّابة» وبالصيغة المؤنثة إذا كانت المدعو لها من بنات حواء، ومؤدي هذا الدعاء المبروك أنه يتمنى لهذا الابن البار والبنت الوفية الخير الوفير والفضل العميم بما يجعلهما موئلاً وملاذاً ومقصداً لكل الناس، من احتاج إلى عون مادي ومن احتاج إلى رأي سديد، وهكذا جسّد هذا الدعاء كل هذه الفضائل والجمائل في «الغابة» وهي فعلاً كذلك فاضلة ومعطاءة بلا حدود؛ تفيض بخيرها على البشر والحجر والحيوان، تعطي كل شيء ولا تأخذ أي شيء، ولهذا سنكتفي في هذه العجالة من فوائد الغابات الجمة والعديدة بهذا الدعاء الجامع المانع، فبماذا يا تُرى ستدعو الأمهات والجدات على من اجترأ على حق الغابات في الوجود وجار عليها حتى انحسرت مساحتها الى 10% فقط، لا شك أنه دعاء موجع لن يكسب معه المدعو عليه أي خير، وهل يكسب خير من يقلع بآلياته أو فأسه ما زرعه الله بمشيئته، وفي الحديث «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها .

… أذكر بهذه المناسبة أنه تم اقتيادي ذات مرة إلى مقر نيابة أمن الدولة حين كانت كائنة بحي «الخرطوم اتنين»، وكانت للغرابة تقع في مكان «غميس» وتشرف على زقاق ضيق بذاك الحي الفاخر، وكان المقر عبارة عن منزل صغير أصلح لأن يكون وكراً من أن يناسب مقام نيابة عدلية، وكان أول ما حيّرني هو غموض الموقع وضيق المقر فلم أدرِ هل كان ذلك بتدبير لتسهيل عملية «الغمت» أم لضيق ذات اليد، المهم أنني في النهاية وجدت نفسي أمام شخص يرتدي زياً مدنياً، أخرج الرجل من درج مكتبه رزمة من الأوراق استطعت من موقعي أن أتبين أنها قصاصات من أعمدة كنت قد كتبتها بالصحيفة التي كنت أعمل بها وقتها، وعندها فقط أدركت لماذا أنا هنا، استل الرجل القصاصة الأولى ولوّح بها أمام ناظري متسائلاً هل كتبت هذا؟، تناولت القصاصة فوجدت أن ما بها كان موضوعاً ينتقد القطع الجائر الذي كان يمارسه بعض منسوبي القوات النظامية ضباطاً وغير ضباط على الغابات، وكان ما كتبته يستند على وقائع مثبتة وبلاغات مفتوحة وتقرير رسمي مرفوع لأعلى جهة سيادية، قلت نعم بملء الفم، فقد وجدتها فرصة يمكن أن تصنع مني بطلاً بيئياً تتخاطفه وتتصارع عليه منظمات حماية البيئة العالمية وما أكثرها، فحرصت على أن لا تفلت مني هذه السانحة التي جاءتني على طبق من ذهب فواصلت القول بنبرة ملؤها الثقة، ومن تُرانا الذي هو ضد أمن الدولة أنا الذي كتبت ذلك أم أولئك الذين يهدرون هذا المورد الأهم؟، كان أملي أن تثور زوبعة بسبب هذا الموضوع، كانت ستنقلني بلا شك من خانة مواطن سوداني مغمور إلى رقم أممي مشهور، ولكن خاب أملي وتبخرت أحلامي فقد خذلني الرجل وبدد حظوظي في العالمية، لقد اكتفى فقط بردي على تلك القصاصة وأخلى سبيلي على الفور …[/JUSTIFY]