عندما حاولت أن أصير بطلاً بسبب الغابات
… أذكر بهذه المناسبة أنه تم اقتيادي ذات مرة إلى مقر نيابة أمن الدولة حين كانت كائنة بحي «الخرطوم اتنين»، وكانت للغرابة تقع في مكان «غميس» وتشرف على زقاق ضيق بذاك الحي الفاخر، وكان المقر عبارة عن منزل صغير أصلح لأن يكون وكراً من أن يناسب مقام نيابة عدلية، وكان أول ما حيّرني هو غموض الموقع وضيق المقر فلم أدرِ هل كان ذلك بتدبير لتسهيل عملية «الغمت» أم لضيق ذات اليد، المهم أنني في النهاية وجدت نفسي أمام شخص يرتدي زياً مدنياً، أخرج الرجل من درج مكتبه رزمة من الأوراق استطعت من موقعي أن أتبين أنها قصاصات من أعمدة كنت قد كتبتها بالصحيفة التي كنت أعمل بها وقتها، وعندها فقط أدركت لماذا أنا هنا، استل الرجل القصاصة الأولى ولوّح بها أمام ناظري متسائلاً هل كتبت هذا؟، تناولت القصاصة فوجدت أن ما بها كان موضوعاً ينتقد القطع الجائر الذي كان يمارسه بعض منسوبي القوات النظامية ضباطاً وغير ضباط على الغابات، وكان ما كتبته يستند على وقائع مثبتة وبلاغات مفتوحة وتقرير رسمي مرفوع لأعلى جهة سيادية، قلت نعم بملء الفم، فقد وجدتها فرصة يمكن أن تصنع مني بطلاً بيئياً تتخاطفه وتتصارع عليه منظمات حماية البيئة العالمية وما أكثرها، فحرصت على أن لا تفلت مني هذه السانحة التي جاءتني على طبق من ذهب فواصلت القول بنبرة ملؤها الثقة، ومن تُرانا الذي هو ضد أمن الدولة أنا الذي كتبت ذلك أم أولئك الذين يهدرون هذا المورد الأهم؟، كان أملي أن تثور زوبعة بسبب هذا الموضوع، كانت ستنقلني بلا شك من خانة مواطن سوداني مغمور إلى رقم أممي مشهور، ولكن خاب أملي وتبخرت أحلامي فقد خذلني الرجل وبدد حظوظي في العالمية، لقد اكتفى فقط بردي على تلك القصاصة وأخلى سبيلي على الفور …[/JUSTIFY]