د. ياسر محجوب الحسين

هل يصغي البشير أم فات الأوان؟

ربما تجاوز الرجل عمر الستين عاماً، لكنه مازال في الجيل الثالث أو الرابع ينتظر دوره في تسنم قيادة الحزب الحاكم.. ﺍﻟدﻛﺘﻮﺭ أمين ﺣﺴﻦ ﻋﻤﺮ يمكن أن نقول عليه بلا مواربة “قياﺩﻱ باﺭﺯ” في حزب اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ الوطني الحاكم في السودان.. سياسي ضليع لا يشق له غبار بل فوق ذلك يعتبر مفكراً وأكاديميا حائزا على أعلى الشهادات الأكاديمية، وهو معروف عنه التزامه الحزبي الصارخ.. بيد أن الكيل فاض بالرجل بعد ما فاض بالكثيرين مثل الدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس عمر البشير السابق فانسلخ أو أنه أجبر وطرد من الحزب بعدما صدع بآرائه الإصلاحية فأسس حزباً سماه (الإصلاح الآن).. ربما كانت طبخة إعادة ترشيح البشير لولاية رابعة أو خامسة ليبلغ سنوات حكمه (31) عاما كأطول فترة يحكم فيها رئيس السودان، طبخة سيئة الإخراج كان مسرحها المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الذي التأم الأسبوع الماضي.. في حوار ساخن لم يصل القراء بسبب مصادرة عدد الصحيفة الذي نشر فيه الحوار عقب انتهاء طباعتها مباشرة، قال أمين حديثا ساخنا وعميقا في الهواء الطلق بعدما يبدو ردده كثيرا داخل كواليس الحزب دون جدوى.. الصحيفة المصادرة هي صحيفة الصيحة العائدة للصدور بعد شروط مجحفة وتوقف دام (4) شهور.
كلام أمين على أهميته جاء متأخرا بكل تأكيد وعقب وقوع الفأس في الرأس، وكشف فيه عن أساليب طالما أتبعت داخل الحزب لتكريس الرأي الواحد عبر طرق وآليات مهمتها إظهار ديمقراطية غير موجودة أصلا وتجميل وتزيين قبح فرض الرأي الواحد الأوحد.. الرجل قال إن النائب الأول السابق علي عثمان طه قد مارس إكراها معنويا على أعضاء مجلس شورى الحزب ليصوتوا على ترشيح البشير مرشحا وحيدا للحزب لرئاسة الجمهورية في انتخابات أبريل 2015.. أمين قال إن طه ﻗﺎﻡ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺿﻐﻂ، ﻹنجاز هذا الأمر ﻣﻊ ﺇﻧﻨﺎ ﺗﻌﺎﻫدﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻻ ﻧﻌﻤﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺿﻐط، مؤكدا ﺃﻥ تلك ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨطق السكوت ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫذﻩ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎﺕ، ﺧﺎﺻﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻗﺒل ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘوﻝ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻻ ﺗﻌﻤلوﺍ ﻣﺠﻤوﻋﺎﺕ ﺿﻐط، ﺛم ﺗﺄﺗﻲ ﻫﻲ ﻭﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﺆﺛر ﻋﻠﻰ ﻗرﺍﺭ ﺍﻷعضاء ﻗﺒﻞ ﺍلمؤتمر ﺍﻟﻌﺎﻡ.. فاختيار البشير جاء ورغم هذا الضغط بنسبة تزيد قليلا عن (50%) من أعضاء مجلس الشورى البالغ عددهم (522) عضوا وهذا مؤشر قوي جدا لرفض كبير لفكرة إعادة ترشيح البشير داخل الحزب دعك من الرفض المتنامي خارج الحزب الحاكم.. قبل الزخم الأخير تحدث البشير عن ضرورة التغيير الشامل حيث المنطق يقول إن التغيير الشامل المخرج الوحيد لأزمة البلاد السياسية، لكن أمين أكد بعد ذلك عقب طبخة إعادة ترشيح البشير أن “ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ ﺗﺮﺍﺟﻌت ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘوﻯ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋد، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺛﺒت ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ” والرجل يشير إلى تلك الطبخة.
قناعة أمين أن التغيير الشامل لن يحدث ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺷﻤﻞ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ، وفي رأي أمين وهو الرجل القريب أو أنه كان قريباً من كابينة قيادة الدولة أن البشير يؤثر عليه باستمرار من مجموعات معينة ولا شك أن هذه وحدها تكفي لعدم صلاحية الرئيس لإدارة بلاد بحجم السودان فيه من الأزمات ما تنوء بحمله الجبال الراسيات.. ويرى أمين أﻥ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺤﺰﺏ الحاكم ﻫﻲ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﺨﺼﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﻨﻴﺔ ﻭﻫﻴﻜﻞ، ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﺗﻄﺮﺡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ، ﻓﺈﻧﻨﻲ – والحديث لأمين – ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻏﻴﺮ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻣﺨﻔﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ. مؤكدا أن البشير ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺮﺑﻬﻢ، ﺃﻭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺘﺮﺑﻮﻥ ﻣﻨﻪ.. ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺗﻐﻴﻴﺮﻫﻢ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺗﻢ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ، ﻷﻧﻪ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﻜﻴﻜﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ.
وعندما سئل أمين عن أن ﺗﺮﺷﻴﺢ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ حسب قياديين في الحزب، ﺃﻣﻠﺘﻪ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺘﻤﺪﻳﺪ ﻟﻪ ﺃﻭﺟﺒﺘﻪ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ؛ قال إن ﻫﺬﺍ ﺧﻄﺎﺏ ﻣﻜﺮﺭ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ.. وأضاف أنهم ﺳﻴﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﺍ ﻣﻔﺘﺮﻕ ﻃﺮﻕ، ﻭﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﻣﺮﺣﻠﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻄﺄ، ﻭﻫﻮ ﺟﺪﻟﻲ ﻭﻻ ﻳﻔﻴﺪ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺮﻫﺎﻧﻴﺎً ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺟﺪﻟﻲ. ويقول أمين لا نقبل بالقول أن هناك معلومات يعلمها البعض دعتهم لترشيح البشير وقال متهكما: “ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻮﻑ ﻧﺸﺘﻐﻞ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﺨﻔﻴﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻯ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻋﻠﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﻪ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺧﺎﺻﺔ ﺳﺘﻘﻨﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻠﻴﻘﻠﻬﺎ ﻟﻨﺎ، ﻷﻧﻨﺎ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻃﺎﺭﺋﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺃﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، ﻭﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﻳُﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﺮﺍً ﺳﺮﻳﺎ، ﻭأﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﻠﻴﻼﺕ ﻟﻦ ﺗﻔﻬﻤﻮﻫﺎ. ﻧﺤﻦ ﻟﻦ ﻧﻘﺒﻞ ﺑﻬﺬﺍ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﻨﺎ ﻧﻘﺒﻞ ﺑﻪ ﻟﻮﺍﻓﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺳﺎﺑﻘﺔ”.. وخلص أمين إلى أن ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻗﺪﻡ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ القادة، ﻭﺃﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﻠﺘﺰﻡ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺇﺭﺿﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺱ.
أمين يشعر الآن وبعد هذه المسيرة الطويلة في رحاب حزب المؤتمر الوطني بخيبات أمل كبيرة فيقول: “إﻧﻨﻲ ﺧﺎﺋﺐ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻤﻨﺎﻩ، ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺳﺘﺘﻮﻟﺪ ﺑﺪﺍﺧﻠﻬﺎ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﺳﺘﻔﻬﺎﻡ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻻ ﻳُﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳُﻜﺘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻴﺆﺛﺮ ﺣﺘﻤﺎ، ﻷﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻷﺷﻴاء ﺗﺄﺛﻴﺮﺍ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳُﺴﻜﺖ ﻋﻨﻪ.

(أرشيف الكاتب)