تحقيقات وتقارير

أحزاب المعارضة هل تلتقط الإشارة …؟!

[ALIGN=JUSTIFY]تدخل القوى السياسية التي اثقل ظهرها معارضة النظام الحاكم في السودان منذ 1989م، مرحلة جديدة يقذف بها الواقع السياسي السوداني المتصاعد بوتائر عالية بعد يأس طويل من تغيير المعادلة الثابتة والجاثمة ،إلا ان التطور الاخير والمتمثل في مذكرة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية موريس اوكامبو والتي تطالب بايقاف كبار المسؤولين السودانيين في الحكومة قذف بوقائع جديدة يمكن – حسب كثيرين – لقوى المعارضة النفاذ من خلالها جهة تحقيق السلام والعدالة باقليم دارفور المتأزم، وجهة انجاز التحول الديمقراطي عبر تغيير القوانين السائدة والتي لم تتبدل رغم دستور جديد يجاز وعلى رأس هذه القوانين قانون الأحزاب، والصحافة والأمن الوطني الامر الذي يمهد لحالة جديدة ويهيء المناخ للمرحلة القادمة. وهذا الامر بطبيعة الحال والتقاط اشارته ليس المعني به المعارضة فحسب ، بل الحكومة وخاصة المؤتمر الوطني في المقام الاول فالسير في الطريق القديم وعر المسالك لم يعد ممكناً خاصة وان هنالك اتفاقيات سلام وقعها المؤتمر الوطني مع خصومه السياسيين وعلى رأسها اتفاقية نيفاشا للسلام الموقعة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو اكبر القوى السياسية المعارضة والذي افضى الى تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تزال تعاني اختلالاتها .وهنالك اتفاق القاهرة وجدة للسلام الموقعين بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي واتفاق جيبوتي الموقع بين الحكومة وحزب الامة القومي واتفاق الشرق بين الحكومة وجبهة الشرق، واتفاق ابوجا بين الحكومة وفصيل من حركة تحرير السودان بدارفور ثم اخيراً اتفاق التراضي الوطني الموقع مع حزب الامة القومي، اذا وكما يقول نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي علي محمود حسنين هنالك تخمة في الاتفاقات الموقعة مع الحكومة والمطلوب هضمها اولا ثم بدء حالة جديدة وبالتالي فان هذه الاتفاقات كان حرياً بها ان تقسم الناس تقسيماً جديداً بل التقليدي حكومة- معارضة بل على اساس الموقف من هذه الاتفاقات خاصة اتفاق نيفاشا للسلام والذي رغم اختلالاته استطاع ان ينجح في ايقاف الحرب بين الشمال والجنوب، وكان من الممكن اكمال المشوار اذا انحاز الشريكان الوطني – الشعبية وبدعم الداخل والخارج المتمثل في المجتمع الدولي جهة الالتزام ببنود الاتفاق واذا ابتعد الشريكان عن لعبة طبعت علاقتهما ببعضهما البعض خاصة الشريك الاكبر المؤتمر الوطني ألا وهي لعبة المناورات والمساومات واقصاء بقية القوى السياسية التي لم تستطع ان تلعب دورا يذكر بسبب ضعفها وهوانها وابتعادها عن مصدر قوتها الحقيقي الا وهو الجماهير الا ان الواقع الجديد يقذف بفرص جديدة للحكومة وللمعارضة مع ضرورة توفير شرط الجدية والصدقية العالية لأجل احداث اختراق لخلق ثوابت وطنية جامعة ،فاذا توفرت الجدية كما يقول محدثي الخبير الاستراتيجي الحاج حمد يصبح هنالك عاملاً مشتركاً يمكن بالتالي من اعادة بناء الدولة السودانية بعد ستين عاماً من الاستقلال، فالدولة التي خلفها الاستعمار دولة مشوهة لأنها بحسب – الحاج حمد – تنظر الى الخارج وتحالفاتها الخارجية اكثر من نظرتها الى الداخل مما اضعف بالتالي قيم المواطنة وبالتالي اوجد حالة حزبية واهنة واعادة انتاج الفقر، والفاقة.. والجوع.. والمسغبة فالسودان رغم هبوط الثروة البترولية يُصنف بحسب تقرير صادر من الأمم المتحدة ابريل الماضي من افقر البلدان التي تعيش فقراً مدقعاً ، فالحكومة – للأسف – ظلت تخاف الولايات المتحدة اكثر من خوفها من الشعب السوداني وجاءت هذه الازمة لتوقع في فهمها بالضرورة ، ضرورة الاحتفاظ بالسيادة الوطنية وهيبتها ومن هنا فان الحديث عن انتفاء السيادة الوطنية والخصوصيات الوطنية في زمن العولمة يكذبه سلوك سيدة النظام العولمي الجديد الولايات المتحدة نفسها ،فالسيادة الوطنية في الولايات المتحدة تعلو على القانون الدولي فالولايات المتحدة لا تسمح بالمساس بمواطنيها وتقديمهم لمحكمة الجزاءات الدولية، وبالطبع هذا يتطلب جملة من الاجراءات العملية تسير بعلاقة الحكومة والمعارضين والمواطنين في الطريق الصحيح وعلى رأس ذلك اعادة بناء الدولة الوطنية والوضع في الاعتبار وبالجدية الكافية ان اتفاقيات السلام وعلى رأسها نيفاشا هي اهم هذه المحاولات نحو اعادة البناء تلك وذلك يتطلب ايضاً معالجة الدستور عبر ابعاد الاجانب من بعض المفوضيات كنوع من فرض السيادة الوطنية وايقاف الحرب في دارفور ثم العدالة واسقاط الايدولجيات الوهمية من ايدلوجيات عربية وافريقية وبناء دولة سودانية محضة في تعددها لتعبرعن قيم التعدد في السودان، وابتعاد منظمات المجتمع المدني عن الوصاية الاجنبية (الـFund ) والحكومية لتنتهي بذلك حرب الفاسدين ضد الفاسدين ، واحترام التعهدات المحلية – اتفاقات ابوجا ، القاهرة، جيبوتي، نيفاشا، على حساب التعهدات الدولية وتقع على الاحزاب كذلك مسؤولية احترام تعهداتها الداخلية بما فيها علاقات الشراكة والشفافية داخل الاحزاب واعمال منهج اصلاحي صارم داخل هذه الاحزاب. وامس الاول اجمعت كل القوى السياسية (المعارضة) المجتمعة ببيت الضيافة على رفض قرارات محكمة الجنايات الدولية والعمل على الاستفادة من الاجماع الذي اتاحته الظروف الراهنة لمصلحة حل ازمة دارفور والبحث عن حلول ناجعة لها بمشاركة كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وهو الاجتماع الذي حضرته معظم القوى السياسية الرئيسية والمؤثرة وعلى رأسها احزاب الامة، الاتحادي الديمقراطي الحزب الشيوعي، منبر الجنوب الديمقراطي المؤتمر الشعبي، واحزاب ما يعرف باحزاب البرنامج الوطني حيث اكدت هذه القوى على ضرورة توحيد الجبهة الداخلية وايجاد آليات للمشاركة في حل مشكلة دارفور وهو الأمر الذي استجاب له رئيس الجمهورية عبر موافقته على تشكيل آلية تمثل فيها كل الاحزاب لنجاح مبادرة حل ازمة دارفور. وفي مسعى عملي طالب محمد ابراهيم نقد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي بالتحضير لمؤتمر قومي تدعى له الحركات الرافضة لاتفاق ابوجا خاصة حركة عبدالواحد محمد نور مقترحا ارسال وفد (مقبول) لدعوة عبدالواحد للمشاركة وهو الامر الذي يؤكده مرة اخرى يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب عندما اعتبر ان علاج ازمة دارفور هو المخرج الحقيقي لمشاكل السودان مؤكدا ان توسيع آليات الحل ستؤدي الى معالجة الازمات من جذورها وذلك عبر تمثيل كافة القوى السياسية لأجل ان يصبح الحل قوميا بعيدا عن الثنائية السابقة. وما ذهب اليه حسين يتفق معه السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي الذي اكد على ان البلاد بحاجة الى رؤية سياسية جديدة، الاستاذ علي السيد المحامي القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي يرى في قرار محكمة الجنايات الدولية انه مضر بعملية السلام في السودان وانه قد جاء في غير وقته ويعطي الحكومة فرصة في التمسك بالقوانين المقيدة للحريات في حين ان الاتجاه الذي يجب ان يسود هو ضرورة التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات وحل ازمة دارفور غير ان على السيد دعا في حديثه معي الى تشكيل حكومة قومية لمواجهة الازمات في حين ذهب زميله القيادي بالحزب والنائب البرلماني محمد يوسف دقيس الى الحكم على ما اسماه ادعاءات المحكمة الجنائية بأنها تمس السيادة الوطنية مطالبا الجماهير بالوقوف صفا واحدا خلف رئيس الجمهورية لأن الادعاء -كما يقول دقيس- يمثل مساسا بسيادة الدولة في شخص الرئيس، معلنا ان حزبه يقف الى جانب المؤتمر الوطني في هذه القضية وفي الظروف الحرجة التي تستهدف السودان، وثرواته . مشيراً الي أن اتهام رئيس الجمهورية يمس أساسيات الدستور السوداني، وحذر من التداعيات التي يمكن أن تنجم عن أى خطوات تتخذها المحكمة مما يزيد التوتر واجهاض الجهود الرامية الي حل أزمة دارفور والاقليم بصورة عامة. ذاكراً بأن القضية قد تحولت من قضية ضد حكومة السودان الي قضية وطنية باعتبار ان المستهدف هنا هو سيادة الدولة.
القوى السياسية ورغم استعدادها الذي اعلنت عنه في التقارب في حل ازمات البلاد المختلفة اذا وجدت الصدقية من قبل الحكومة فهي تعيد الكرة مرة اخرى الى ملعب الحكومة وهذا ما يؤكده عبدالله حسن احمد عندما يقول ان جدية الحكومة هي الكفيلة بامكانية معالجة ازمات السودان المختلفة الا ان نائب امين عام المؤتمر الشعبي عاد ليؤكد وجود اتفاق بين كافة الاطراف السياسية على ضرورة التفاوض مع كافة مقومات دارفور لحل ازمة الاقليم عبر حوار داخلي جاد يُغني البلاد – بحسب عبدالله حسن احمد – عن توصيات اوكامبو .
البعض يرى في مذكرة اوكامبو ضربة للسلام وآخرون يرون فيها دفعاً للحكومة في اتجاه اتخاذ خطوات ايجابية ومن هنا يأتي دور القوى (المعارضة).
علاء الدين محمود :الصحافة [/ALIGN]