الطيب مصطفى

بين سجن دبك وغابة السنط والمأساة المنسية


[JUSTIFY]تحقيقان صحفيان لو لم تنشر الصحافة السودانية غيرهما لكانا كافيين لإنزالها مكاناً علياً في سلم الشرف الوطني، ولاحتلت بهما جزءاً ولو يسيراً مما تحظى به الصحافة وممتهنوها فيما يسمى بالعالم الأول من احترام وتقدير محمي بالقانون بل بالدستور، ولن أعقد المقارنة فلا نزال نحبو في عالم التحضر والتحرر ولا أزيد.

التحقيق الأول كان عن غابة في قلب الخرطوم يباح فيها كل شيء.. غبطت (التيار) ورب الكعبة وهي تنشر الجزء الأول من ذلك التحقيق عن الانفلات الأخلاقي والأمني الذي تشهده غابة السنط التي أصبحت مرتعاً لكل صنوف الممنوعات والمحرمات.
من يصدق أن مدمني البنقو لا يتوارون من الناس وهم يتعاطون تلك الآفة في تلك الغابة على رؤوس الأشهاد؟، من يصدق أن بعض الشباب والشابات يتبادلون (العشق الممنوع) والقبل الحارة ولا يأبهون للمارة من حولهم في وضح النهار؟!.

كانت تلك (المناظر) للفيلم الطويل الذي بدأت الصحافية المتميزة أسماء ميكائيل، والتي فرضت نفسها بقوة على ساحة العمل الصحفي، تنشره في صحيفة (التيار) بأسلوب درامي مثير وعناوين جانبية لافتة، فقد نشرت في ثنايا التحقيق بعض المشاهد التي لا يكاد المرء أن يصدقها بالرغم من أننا اعتدنا على الغرائب في بلادنا هذه المتخمة بكل عجيب.

لست أدري، هل هناك مناطق معينة في الخرطوم بل في المدن السودانية محمية بالقانون ولا يحق للسلطات أن تطرق أبوابها حتى غدا من يجدون فيها راحتهم من الخارجين على القانون في مأمن من العقاب والملاحقة؟!.

صحيح أننا نتمنى أن نصل بمجتمعنا السوداني إلى مستوى المدينة الفاضلة من حيث تحلي أفراد المجتمع جميعاً بالسلوك القويم الذي ننشده لشعبنا الكريم، ولكن أين هو ذلك الحلم المستحيل، ونحن نعيش في بلاد تضطرم بالحروب والتمردات وتغرق في بحور من الفقر الذي يقول عنه الإمام علي بن أبي طالب إنه كاد أن يكون كفراً؟

لو لم تكترث الشرطة لتلك الآفات في مجتمع بات، ويا للحسرة، لا يتسلى بشيء ويفرح ويضحك بأكثر مما يفعل يتبادل نكات المساطيل الذين طبعت حياتنا معهم حتى غدت نكاتهم من مصادر الفرح والسعادة والأنس الجميل.

أقول لو لم تكترث الشرطة لخطر المخدرات التي حكى عنها تحقيق (التيار) فما أقل من أن تولي ما يحدث في غابة السنط جزءاً من الاهتمام، فلربما كانت مخبأ للسلاح في بلاد تشهد بعض مناطقها حروباً مدمرة ويتبنى بعض حركاتها المتمردة مشروعات استئصالية لا ترضى بغير حكم السودان بالحديد والنار.

إن ما يحدث في غابة السنط يعكس درجة الغفلة عن كثير من المناطق ، وإذا كان ذلك يحدث في قلب العاصمة فما بالك بما يحدث في مناطق أخرى من السودان لم تطأها أقدام بشر منذ عصر سيدنا آدم؟!

التحقيق الثاني غبطت فيه صحيفة (اليوم التالي) حول سجن دبك، سيما بعد أن أحدث أثره في أصحاب القرار لدرجة أن يتخذ المسؤولون قراراً بتصفية ذلك السجن السيء السمعة.

نعم لقد كان التحقيق عن سجن دبك مدوياً ومثيراً للحزن والغضب أن (يُسترق).. نعم (يسترق) المساجين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى!.

زاد حزني والله وأنا أقرأ تعليقاً للأخ عادل الباز وهو يصور بقلمه (الدرامي) ما تناوله شوقي عبد العظيم في تحقيقه المثير في سجن دبك ويعقد المقارنة بين ذلك السجن والسجن الأمريكي السيء الذكر (غوانتانامو) الذي اتضح من خلال التحقيق أنه أرحم بكثير من سجن دبك.

قال شوقي وهو يختم تحقيقه بخلاصة تستصرخ كل ضمير حيّ فينا نحن الذين لطالما تغنينا بمكارم الأخلاق.. قال (من المؤكد أن في السجن مظاليم إذ ليس كل من دخل سجن دبك مجرماً، ولكن أن أي شخص سيخرج من سجن دبك سيكون مجرماً وحاقداً على الناس والمجتمع بسبب ما تعرض له).

ما حكاه شوقي عن سجن دبك الذي يشكر لليوم التالي أنها أنقذت (سجناءه) بعد خبر تصفيته أو نقله إلى مدينة الهدى الإصلاحية التي افتتحت مؤخراً ينبغي أن يدعو وزارة الداخلية إلى إجراء فحص وتفتيش لكل السجون في السودان من خلال لجنة مركزية اقترح أن تمثل فيها كل الأطراف المعنية بما في ذلك وزارة العدل.[/JUSTIFY]