الطاهر ساتي

وللسبت الأخضر … حكاية ..!!

[ALIGN=JUSTIFY]** لم أكن متفرغا للاستماع إليهم حين طرقوا باب المكتب برفق ثم استأذنوا بالجلوس بعد الترحيب .. وكذلك استأذنت منهم لأنهي ما بدأت ، حيث بعض العمل إن قطعته يستعصي عليك أن تواصل فيه من حيث قطعت .. لذا أشرت إلي أحدهم بأن يروي ظمأ الآخرين ، فالجو كان ساخنا منتصف نهار الثلاثاء الفائت .. وانشغلت بما كنت فيه حتى انتهيت بعد ساعة تقريبا .. وكانوا خلالها يطلعون على بعض صحف اليوم ويتبادلونها فيما بينهم .. فعدت إليهم معتذرا عن التأخير ، ومتأهبا للاستماع إليهم .. والطلاب حين يأتوك بعرضحال يتحفونك بفن التقديم الجماعي ، ولو كانوا مائة .. ولا عليك إلا أن تستمع إليهم جميعا ، فردا فردا .. حيث لكل منهم طريقة طرح مختلفة يحرص على إبدائها والإبداع فيها ، إما ليقنعك بعدالة القضية أو ليعبر لك عن وطأة الظلم عليه ..ولهذا يعتقلك كل بأسلوبه الخاص .. و كل أساليبهم – مهما اختلفت – حتما تؤدي الي مربط قضيتهم .. وبتلك الخاطرة عدت الي ضيوفي الأعزاء مستمعاً جيداً ، فتحدثوا حديثاً عجباً ..!!
** سلطان محمد نور ، من أبناء الشمالية ، طالب بكلية الجزيرة .. محمد مبارك عمارة ، من أبناء الجزيرة ، طالب بكلية الجزيرة .. وليد محمد عثمان ، من أبناء كسلا ، طالب بجامعة السودان .. منتصر أحمد الأمين ، من أبناء سنار ، طالب بكلية الجزيرة .. هكذا قدموا أنفسهم ، فتوجست على نصف اليوم الذي سأستمع فيه إلي قضيتين بكل تفاصيلهما وطرائق الطرح المختلفة ، إحداها بكلية الجزيرة، والأخرى بجامعة السودان .. ولكن تبدد التوجس وحل محله الإعجاب حين اختصر سلطان قضيتهم في دقيقة ..!!
** « والله يا أستاذ نحن زملاء وأصحاب .. زميلنا ده ساكن أم درمان .. هناك في بانت شرق في مدرسة إبتدائية فيها طالبات يتيمات وفقيرات وحالتهن صعبة شوية .. بيحتاجن للوازم مدرسية .. ملابس ، شنط ، كراسات ، أقلام وغيرها .. نحن مشينا شوفناهن وأبدينا رغبتنا لإدارة المدرسة لمساعدتهن ..وبصراحة كدة نحن ماعندنا حاجة نساعدهن بيها .. لكن يمكن ربنا يسخر ليهن زول لو نشرت لينا قضيتهن .. نحن مشينا لإسحق وشبونة فى الإنتباهة وماقصرو قالو حينشروها بكرة .. وشبونة قالينا امشوا لى ساتى .. أهو جيناك .. ياريت لو في إمكانية نشر تنشرها قريب عشان المدارس فتحت ..عددهن سبعين طالبة .. وما صاح مننا نخليهن بالحالة الهن فيها… و..» .. وأدار وجهه الي اتجاه الباب محاولا إخفاء دمعة رأيتها .. ثم ساد المكتب سكون ، قبل أن يكمل منتصر ..« والله يا أستاذ نحن لا عندنا اتحاد ولا منظمة ولا جمعية .. أصحاب بس .. لمن شوفنا الحاصل هناك قلنا ياخى نحاول نعمل ليهن حاجة .. لو اتوفقنا الحمد لله ولو ما اتوفقنا نكون عملنا العلينا ..مش أحسن الواحد يجتهد يولع ليهو شمعة بدل نقعد عمرنا كلو نلعن الظلام .. ؟.. و آسفين لو أخدنا من وقتك كتير ..» … ثم قدم لى كشفا بأسماء سبعين طالبة بمدرسة نسيبة بنت كعب الأساسية بنات ببانت شرق ..!!
** لم أقف عند كشف السبعين كثيرا ، ولكن تفرست فى وجوه الجالسين أمامى . منتصر ، محمد ، سلطان ، وليد .. أبناء أسر سودانية من عامة الناس .. بسطاء يتجولون بأقدامهم ويطرقون أبواب الصحف تحت هجير الشمس لقضاء حوائج الآخرين ..لا تجمعهم أجندة حزب ولا تربطهم عصبية قبيلة .. لماذا ..؟.. لأنهم يريدون إيقاد شمعة يطفئون بها بعض الظلام .. ولأنهم – فى أسرهم الكريمة – تربوا على أن يعيشوا لأجل الآخر .. لم يرضعوا الأنانية واللامبالاة .. ولهذا ، وهم فى سن الصبا يؤدون واجباً عجز ان يؤديه الكثيرون .. واجب أن تعيش للآخر أيضا كما تعيش لنفسك .. صغار يحملون هما عظيما حتى أدمعهم .. تقزمت أمام عظمتهم ، إن كان هؤلاء يصطلون بالهجير فى سبيل الآخر ، فماذا يسوى جهد النشر … ؟.. و…و… بفضل من الله ثم بسعيهم تبرع الاتحاد العام للطلاب السودانيين بكل إحتياجات السبعين طالبة .. كم كان لون الفرح جميلاً فى عيونهم – منتصر ، محمد ، سلطان ، وليد – وهم يطرقون باب مكتبي – للمرة الثانية – يوم الخميس الفائت ، ليشكروا الاتحاد في ذات المساحة التى كادت أن تعرض عرضحالهم .. ثم غادروا ، ليغرقوا في زحام الحياة … كم مثلهم فى زحامك أيتها الحياة .. ؟.. وكم مثلهم يعطر حياة الناس في بلدي بكريم الخصال ..؟…
إليكم – الصحافة – السبت 12/7/ 2008م،العدد5411
tahersati@hotmail.com
[/ALIGN]