تحقيقات وتقارير
خيارات البشير وصعوبات أوكامبو
وعلمت «الصحافة» أن الحكومة كانت قد تلقت نصائح في هذا الصدد من دول صديقة، حيث طلبت دول يقلقها أن تتخذ الخرطوم خطوة دراماتيكية تقلب طاولة الأوضاع السياسية الداخلية، التعامل مع الأزمة من كل جوانبها دون المخاطرة بتقديم تنازلات أو تصعيد، خاصة وان اوكامبو لديه خيارات محدودة وصعوبات عملية بعد تمسك الحكومة بموقفها، في مقدمتها الانقسام الذي أحدثته مذكرة الرجل بين الدول العربية والافريقية المساندة للسودان وبين الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا التي دعت الخرطوم لاحترام المحكمة، فيما لم تتخذ الولايات المتحدة الامريكية موقفا واضحا رغم اتهام الحكومة لها بانها كانت وراء إعلان اوكامبو، فضلا عن تعبير القلق البالغ من الخطوة للصين والامين العام للامم المتحدة، وغير ذلك يواجه اوكامبو صعوبات عملية لتطبيق مذكرته ابرزها عدم امتلاك المحكمة قوات خاصة لتنفيذ أوامر القبض، وقد أخفقت المحكمة في توقيع اتفاقية تعاون مع الاتحاد الإفريقي حتى يتسنى للقوات المختلطة في دارفور تنفيذ أي أوامر من المحكمة.
وجدير بالملاحظة أن مذكر اوكامبو، منحت الرئيس البشير فرصة جديدة، لاتخاذ خطوة نادرة في سلوك حزب المؤتمر الوطني الحاكم، حيث بدأت الحكومة تتجه بشكل أكثر جدية نحو تشكيل جبهة وطنية عريضة لمواجهة التطورات الاخيرة، وفي حدث استثنائي اجتمع الرئيس البشير بكافة القوى السياسية لبحث كيفية معالجة أزمة دارفور، حيث رحب ممثلو الاحزاب السياسية بمبادرة اشراك الجميع في حل الأزمة عبر الحوار السياسي وإدارة حوار واسع مع كل الأحزاب للوصول الي حل ناجع وسريع للأزمة الى جانب معالجة الوضع الإنساني والأمني ودعم النازحين ومواصلة تنفيذ بنود اتفاق أبوجا للسلام المبرم منذ اكثر من عام مع فصيل كبير مستشاري الرئيس مني اركو مناوي.
ويتيح السلوك الأخير للحكومة، والذي يوصف الى حد الان بالانضباط والحكمة، مزيدا من الخيارات للرئيس البشير وحكومته ومسانديها، للتعامل مع ادعاء اوكامبو، ويمنح الفرصة لتهدئة العاصفة القادمة من لاهاي، والتفكير بشكل عقلاني في كيفية تجنب المواجهة الصارخة مع المجتمع الدولي، وفي ذات الوقت يعطي السلوك الاخير للحكومة، مصداقية اتجاهها نحو تشكيل جبهة وطنية عريضة لمواجهة الأزمة من جذورها والمتعلقة أصلا بمشكلة دارفور، وثنائية اتفاق السلام الموقع مع الحركة الشعبية، وحالة الاستقطاب الحادة بين الشريكين من جهة والمعارضة من جهة أخرى.
وفي مؤتمر صحافي لنائب الرئيس علي عثمان محمد طه عقب إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أعلن طه عن تشكيل لجنة رئاسية للتوصل الى صيغة تراض ٍ وطني واسع لمواجهة المشكلات التي تتعرض لها البلاد على الصعيد الدولي والمحلي، وأكد أن التراضي الوطني لن يستثني أية جهة، وركز طه على قضية الوفاق الشامل، دون اللجوء للهجوم على الاراء الأخرى المغايرة، رغم أن السؤال الذي وجه لنائب الرئيس يلمح من طرف خفي لموقف الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي من مذكرة اوكامبو.
وتكتسب خطوة توحيد الجبهة الداخلية، ومشاركة القوى السياسية كافة في ايجاد تسوية عاجلة لقضية دارفور، وعقد مصالحة وطنية على أسس متفق حولها، اهمية لصالح موقف الرئيس البشير على الصعيدين المحلي والدولي، ويساهم في تراجع العديد من الدول الحريصة على مضي اوكامبو قدما في توجيه الاتهام ضد البشير، واتخاذ مواقف جديدة تقود مجلس الامن الى قرار بتعليق الاتهام.
وللبشير وحكومته، مجال واسع للتحرك الدبلوماسي، على خلفية الموقف المساند للجامعة العربية، إذ قالت جامعة الدول العربية أمس – حسب رويترز- إن قرار مدعي المحكمة الجنائية الدولية توجيه تهمة الابادة الجماعية للرئيس السوداني عمر حسن البشير ربما يكون فكرة غير مدروسة، وأبدت قلقها من عواقب القرار، وقال عمرو موسى الامين العام للجامعة للصحافيين «الموقف خطير جدا، وفي الوقت نفسه نحن غير مقتنعين بأن الخطوات التي اتخذتها المحكمة الجنائية درست جيدا».
كما يشكل حصول الرئيس البشير، على مساندة نائبه الاول الذي يقود الحركة الشعبية الشريك في الحكم واتفاقية نيفاشا، دعما قويا في اتجاه ايجاد تفاهمات سياسية مع المجتمع الدولي حول الأزمة، خاصة وان لدى الحركة الشعبية علاقات أقوى مع الدول الغربية وامريكا، كما ان الحركة ستكون اكثر جدية في انهاء هذه الأزمة لعلمها بانها خطر رئيسي على تنفيذ اتفاق نيفاشا للسلام.
ويستند الرئيس والحكومة، على تأييد شعبي، بعد حملة التعبئة الاعلامية التي أجرتها الحكومة قبل وبعد اعلان اوكامبو لمذكرته، ساهم في اتساعها المزاج الوطني التقليدي الذي يرفض من حيث المبدأ تعريض رئيس البلاده للوقوف امام محكمة أجنبية.
ورأى القانونيون ، ان للحكومة التي يرأسها البشير فرصة بلورة رؤية قانونية جديدة، تشمل معالجات قانونية فنية للقضية تشمل التعرف اولا على طبيعة وجملة الاتهامات الموجهة من قبل المحكمة الجنائية والأخذ بالاعتبار اطراف القضية الاخرى المتمثلة في المتهمين والضحايا والدولة والمجتمع الدولي، وأن تشمل المعالجة إنصاف الضحايا والمردود الايجابي للتسويات السلمية للنزاع ، وتفادي استمرار وضع المتهمين كأشخاص مطلوبين دوليا، والتركيز على أن فرص نجاح إرجاع القضية الى القضاء الوطني ما تزال موجودة.
ويوصى هؤلاء بمناهضة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بهذه القضية والاعلان والاعلام عن اجراءات التحقيق و المحاكمات التي تجري في داخل السودان، والاسراع باجراءات التحقيق و المحاكمات، أو الاستمرار في التحقيقات مع المشتبه في ارتكابهم جرائم، واعادة استجواب الذين لهم صلة بها، وأن تصبح هذه الاجراءات علنية لمراقبة تنفيذ العدالة بالسودان.
وينادى القانونيون باستثمار القنوات القانونية والدبلوماسية والسياسية لهذه القضية ، والسير في هذه القضية بالمهنية الجادة والعمل السياسي الدؤوب والمقتدر.
على صعيد اخر، فإن الصعوبات القانونية والسياسية التي تواجه مذكرة المدعي العام، والمحكمة نفسها، يمكن ان تمنح البشير وحكومته، خيارات جديدة، إذ لا تستطيع المحكمة في حال قبولها مذكرة الاتهام، توجيه أمر القبض للقوات المختلطة العاملة في حفظ السلام بدارفور، فالمحكمة أولا ليس لديها اتفاق مع البعثة حول هذا الامر، كما ان موقف الاتحاد الافريقي من ادعاء اوكامبو، يجعل من الصعوبة عقد اتفاق جديد بين المحكمة والبعثة الدولية، واستنادا على ذلك يتوقع ان تحيل مذكرة التوقيف الى الشرطة الدولية « الانتربول» من اجل توقيف البشير فى داخل السودان، لكن الحكومة لن تسمح له بذلك ولا تستطيع المحكمة تجاوز هذا الامر، مما سيضطر المحكمة الى اعادة الملف الى مجلس الامن الدولى الذى فوضها فى نهاية مارس 2005 عبر القرار 1593 التحقيق فى انتهاكات دارفور، وبما ان القرار كان تحت الفصل السابع فالراجح ان مجلس الامن سيمنح الحكومة مهلة للتعاون مع المحكمة وتسليم المتهمين فاذا رفضت ذلك فسيلجأ المجلس الى فرض عقوبات على السودان .
ويتنبأ محللون في تقارير صحفية منشورة على الانترنت، انه فى حال صدور قرار بفرض عقوبات دولية على السودان، فإن ذلك سيكون سابقة وسيكون مكلفا سياسيا واخلاقيا للولايات المتحدة التى لم تصادق على المحكمة الدولية وليست عضوا فيها، فاذا صوتت لصالح فرض عقوبات على السودان فان هذه سابقة يمكن ان ترتد عليها، واذا وقفت متفرجة فان ذلك سيضعف من فرص معاقبة الخرطوم.
ولكن مراقبين يرون أن ثمة سابقة يمكن ان تمثل مخرجا للحكومة هنا، فقد أصدرت المحكمة الدولية فى 27سبتمبر 2005 مذكرات توقيف دولية في حق خمسة من قادة متمردى حركة «جيش الرب» الأوغندية شملت زعيم الحركة جوزيف كوني،ونائبه فينسيت اوتي ،و دومنيك اونقوين و أكوت أوديهيابو وراسكا لوكوايا، ولم تسع المحكمة منذ ذلك الوقت لالقاء القبض عليهم،بل سعت الامم المتحدة الى اقناع المطلوبين لدى المحكمة لاجراء محادثات مع الحكومة الاوغندية، وجرت مفاوضات فى جوبا استمرت شهورا، بتوقيع اتفاق بين طرفى النزاع، وهذه السابقة تتيح للحكومة الدخول فى مساومات مع اطراف دولية مهمة ومؤثرة على صناعة القرار فى مجلس الامن، يمكن ان تحقق اختراقا فى تسوية ملف المحكمة الدولية كما حدث مع قادة «جيش الرب».
خالد سعد :الصحافة [/ALIGN]