الطاهر ساتي
أنانيون بلاحدود …!!
** مبدئيا ، بعيدا عن تلك الندوة – وقريبا عما قاله وكيل وزارة الصحة الدكتور كمال عبد القادر لصحف الأسبوع الفائت – العلاج بالخارج أو بالداخل شأن خاص جدا، حيث للمرء حق البحث عن علاج ذاته وأهله أينما يثق ..ومؤسسات الدولة مطالبة بتذليل كل العقبات التي تواجه المريض في طريق البحث عن علاجه حتى يصل إلي حيث المرفق الصحي المبتغى ويتعافى ، داخليا كان هذا المرفق أو خارجيا..ولذلك ، أى تحرك – من أية جهة – يستهدف وضع عقبات أمام العلاج بالخارج ، يجب أن يقابل من قبل مؤسسات الدولة بالرفض الحاسم ..وليس كل ما يلمع ذهبا ، والكل يرى ويقرأ بأن قطاعا خاصا تأثر بسفر الناس إلي العلاج بالخارج ، وهو ذات القطاع الذي يشن الهجوم على العلاج بالخارج منذ شهر ونيف ، واصفا مكاتب المشافي الخارجية وتوكيلاتها ب ( سماسرة العلاج ) ..هكذا يصفونهم ، وكأن مستوصفاتهم وعياداتهم ومستشفياتهم الخاصة مبرأة من تلك (السمسرة) ..وليتها كانت سمسرة فقط ، وليست ( سمسرة وجزارة) ..!!
** وعليه ، على أجهزة الدولة أن تنتبه جيدا لهذه الحملة الإعلامية التي إجتاحت الصحف والمنابر لتصد أذهان الناس عن فكرة العلاج بالخارج ، ولتقنع أجهزة الدولة بعدم جدوى تلك الفكرة ..على أجهزة الدولة – وخاصة وزارة الصحة وقمسيونها الطبي – ألا تتأثر بهذه الصيحة الفجائية ، حيث ليست كل صيحة لله ثم ( سواد عيون المواطن ) ..وكما للمواطن حق التداوي بالداخل بكل يسر، فله أيضا حق التداوي بالخارج بلاقيود ، فاتركوه لحال سبيله ويسروا أمره ليبحث عن العلاج في أى مكان يطمئن قلبه إلي طبيبه ومخدره وممرضه وأدويتهم وأسعارهم ، ولو توفرت له هذه الوسائل المطمئنة بالداخل فلن يبحث عنها بالخارج ..فالعلاج بالخارج ليس بهواية شيقة ولا هي بسياحة رطبة ، ولكنه جرعة من الرهق يرغم عليها المواطن السوداني وأهله ، فيتجرعونها مكرهين ..!!
** والحديث يجر الحديث ..فالقطاع الخاص الذي يسعى إلى إقناع وزارة الصحة – هذه الأيام – بوضع قيود العلاج بالخارج ، هو ذات القطاع الخاص الذي يسعى – هذه الأيام – إلى إقناع وزارة التعليم العالي بوضع القيود على تصاديق الجامعات والكليات الخاصة التي يدرس فيها الطب ..فتأمل حب الذات والأنانية المفرطة ياصديقي القارئ .. قطاع ينشئ جامعاته وكلياته الخاصة على أنقاض الجامعات والكليات العامة ، ثم فجأة يرتدي ثياب المثالية والمصلحة العامة ليطالب الحكومة – من تحت تلك الثياب – بإيقاف تصاديق الجامعات والكليات الخاصة ..هكذا بكل براءة ، وكأن عقول الناس عاجزة عن طرح تساؤلات مشروعة فحواها : أتامرون الناس بالمعروف وتنسون أنفسكم ..؟..أين كانت ضمائر المصالح العامة عندما أحالت طرائق تفكيركم الخاصة كل مؤسسات العامة إلى ركام وأنقاض في سبيل أن يكنز بعضكم ذهب المرافق الخاصة وفضتها ..؟..أليس معيبا ـ ياعالم ـ أن تقودوا بحماس حملة تعريب جامعات بلادي بالأمس ، ثم تستهجنوا اليوم أضرار تلك الحملة وتتبرأوا منها وتقلبوا لها ظهر المجن بتأسيس جامعاتكم الخاصة التي تشترط الإنجليزية للطالب والأستاذ ومنهجهما ..؟..هكذا يجب أن تسأل عقول العامة كل قطاع خاص ليس له من القلب إلا ما يسع حب الذات فقط لاغير ، ولايحمل من اللسان إلا ما يقول : أنا ، وليذهب الآخر – ولو كان وطنا وشعبا – إلى الجحيم .. !!
**وبعيدا عن ذوي القلوب التي لاترحم إلا ذاتها ، وكذلك بعيدا عن العقول التي لاتفكر إلا في مصالحها الخاصة ..على الحكومة أن تسعى نحو الأمل المرتجى لكل أهل السودان ، وهو تطوير الخدمات العلاجية بمرافقنا العامة بحيث تغني المريض عن رهق السفر إلي الخارج ..ولحين تحقيق هذا الأمل ، عليها تسهيل علاج رعيتها ولو بالصين وليس الأردن ومصر (القريبة دي) .. !!
إليكم – الصحافة الثلاثاء 27/10/2009 العدد 5868
tahersati@hotmail.com