تحقيقات وتقارير

شيطان الغضب والسلطة الأبوية يسيطران على كثير من الرجال داخل المنازل

فتيات يصرخن من عنف وضرب الرجل الأب أو الزوج أو الأخ.. بعضهن يهربن من واقعهن المرير بالمنزل الى دهاليز المحاكم بحثاً عن الحرية (الطلاق)، والبعض الآخر رضخن للأمر الواقع والتعود على ذلك الانتهاك لحقوق المرأة في ظل غياب قانون او مواد خاصة بحماية المرأة من العنف المنزلي، ومقولة ان عنف الرجل إرث متوارث وثقافة ذكورية تختلف باختلاف التنشئة الاجتماعية للفرد. حاولنا من خلال هذا التحقيق ترجمه ومناقشة تلك الصرخات والمعاناة للحد من تلك الظاهرة المشينة والسيئة.
…..
شيطان الغضب
بدت عليها ملامح الضغب والحزن معاً حينما سألتها عن عنف الرجل ابتدرت حديثها بعد ان اخذت نفساً طويلاً وبعده قالت: (ان الرجل لا يخشى معاملته الخشنة للمرأة) وهذه طبيعة في الرجل، ولكن فجأة امتلأت عيناها بالدموع وبدأت في الهطول كالأمطار الغزيرة، وانداحت في سرد قصتها: (منذ ان تزوجت لم أهنأ يوماً واحداً فزوجي يفتعل المشاكل وأقل شيء يعكر صفاءه فهو دائماً يضربني ولا يكترث لحالتي ابداً مع انني لست مقصرة في واجباتي الزوجية والمنزلية، ولكن وكأن لديه (شيطان الغضب)، وفجأة تشتعل فيه نيران العنف مما يدفعه الى ضربي بأي شيء امامه.
نار الضرب
هناء – طالبة جامعية – هي أيضاً مكتوية بنار ضرب أخيها لها باستمرار، قالت إن أخي لا يتحدث بـ (فمه) في حالة المناقشات بيني وبينه، بل دائماً كلامه يكون بواسطة (الضرب) فقط وعنيف حتى في حديثه ولا يمكن ابداً التخاطب معه مع انه مختلف تماماً حين يتكلم مع احد اصدقائه وكلهم يجمعون على انه شخص محبوب وظريف ويجيد لغة الحوار والمناقشة ويتميز بالهدوء، ولكن بمجرد مغادرة اصدقائه المنزل فإنه ينقلب الى شخص آخر، واضافت: (نحن تعودنا على طبعه الحاد فليس امامنا خيار أو ملجأ آخر).
السلطة الأبوية
(س) واحدة من اللائي تعرضن للضرب بواسطة الأخ الأكبر لها مرت بتلك المعاناة وذاقت ويلاتها من كل النواحي، كما ذكرت قائلة: ان أخاها الأكبر يتحكم في كل شيء في المنزل حتى أمه، فوالده متوفٍ وهذا جعل له الصلاحية التامة ليمارس عليها (الأبوية) القاسية وفرض حكمه وسيطرته على الجميع، فكلمة الأخ الأكبر وانه اصبح في مكانة الأب جعلت منه شخصاً عنيفاً وصعب المراس، وذكرت (س) ان أخاها يتدخل في كل شؤونها الخاصة حتى إنه فرض عليها الزواج من صديقه.
الثقافة الذكورية
الباحثة الاجتماعية – ثريا ابراهيم – ترى ان ضرب المرأة عموماً يكون في إطار العنف وله علاقة بالثقافة الذكورية، وهذه بأشكال مختلفة سواء أكانت من الرجل لزوجته أو أخته، والتنشئة الاجتماعية (المشبع) بها الرجل، وحتى الأسرة تعمل على تعزيز هذا العنف، فالطفل الذكر يجد ان له الحق في ضرب أخته واطلاق الالفاظ (البذيئة) وهذا يعطي الرجل الحق أكثر من اللازم، والمجتمع بشكل عام يعتقد ان للرجل الحق في ذلك وهو ارث اجتماعي، وهذه الثقافة تشكل اتجاهات الشخص وطريقة تفكيره وتدع للأنسان ان يُكون رأيه على حسب التنشئة التي تربى بها ولكن يفترض ان لا يكون هناك تمييز بين الاطفال فهو يعزز مثل هذه الحالات، وهذا يعتبر انتهاكاً لحقوق الانسان وليس هناك شريعة تؤيد العنف.
أيضاً العنف يرجع الى الأسرة بسبب تفريق المعاملة بين الاولاد بالأضافة إلى تأثيرات أخرى سواء أكان الشارع أو المناهج التربوية أو اصحاب السوء، واحياناً يعامل الرجل المرأة على إنها أقل منه في كل شيء لذلك يهينها، ومفترض إلاّ تصل (المواضيع) الى الاهانة أو الضرب لذلك نرجع بالقول على ان التنشئة السالبة أو الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الموضوع والأسرة لها دور كبير في تعزيز العنف لذلك يفترض ان تكون المعاملة واحدة بالنسبة للأطفال، فكثير من الدراسات بينت ان العنف العائلي هو الخطر الأكبر الذي يهدد أغلبية النساء، وقد ظلت المرأة مهددة داخل عائلتها ومن قبل أقرب المقربين لها ويشكل خطراً على حياتها.
الانفعالات السالبة
العنف شكل من أشكال الانفعالات السالبة التي ترتبط بالضرورة ببعض الاسباب التي يعبر عنها في علم النفس بـ (المثيراث)، هكذا ابتدرت د. أسماء عبد المتعال أستاذة علم النفس بجامعة السودان حديثها عن الأسباب النفسية لعنف الرجل ضد المرأة وأضافت: ان المثيرات هي مجموعة من العوامل التي تجعل الفرد يرد بالعنف في بعض المواقف وهذا بشكل عام، وكلما يكون العنف مبرراً، أي نوع أسبابه المنطقية كلما ابتعد عن كونه حالة مرضية، ولكن عندما يتردد العنف كرد فعل دائم تجاه المواقف المختلفة كلما جاز التعبير المرضي للعنف، بهذه الحالة لا يصلح ان يسمى انفعالاً وذلك لأن من سمات الانفعال عدم الاستمرار في العنف وعدم سيطرة الانحياز للعنف على المواقف أو على جميع المواقف الحياتية. والعنف له أسباب بالضرورة احياناً ترتبط بالمواقف الحالية التي قد تتطلب الرد بعنف على الطرف الآخر، وهنا يوازن بين العامل المسبب وردة الفعل للعنف، فاذا كانت ردة الفعل موازية لنوبة العنف كماً وكيفاً فهنا لا توجد اشكالية، أما اذا كان هناك اختلاف بين الشخص المثير للعنف وحجم العنف الصادر عنه فبهذه الحالة يكون واضحاً بأن ردة الفعل غير طبيعية أو قد تكون نذيراً لحدوث اضطراب نفسي أو مرضي، وأغلب اشكالات الافراد العنيفين تعود لمواقف اجتماعية ترتبط بالأسرة مثل طريقة المعاملة، الوالدية للأبناء والتي قد يكون فيها ظلماً أو جوراً أو اهمالاً أو تجاهلاً، هنا يلجأ الفرد للعنف، إما بسبب لفت النظر كأسلوب منه احتجاجاً لتصحيح الأوضاع والمساواة بينه والآخرين في المعاملة، او قد يكون ردة فعل للمعاملة الصارمة التي يعاملها بعض الآباء للأبناء وذلك لأمور تتعلق بأوضاعهم النفسية الأمر الذي يدفع ثمنه الأبناء بحكم قانون التعلم بالقدوة (باندورا)، واحياناً تكون ردة الفعل العنيفة هي استجابة يأتي بها البعض عندما يشعر بالدونية أو الغيرة أو الحسد أو الاضطهاد من الآخرين. كما ان هناك بعض أنواع العنف التي ترتبط ببعض الاضطرابات الفسيولوجية خاصة اضطرابات الغدد الصماء في الجسم مثل (اضطراب هرمون البارثومون)، وهذا الأمر يحكمه تقويم الرجل للطرف الآخر، بمعنى ان الانسان الضعيف قد يتهيب بعض الشخصيات ويضع لها حساباً وبالتالي يضطر الى كبت مشاعره في حضرتهم أما الأخت والزوجة.. وبحكم قانون تشكيل المجتمعات الانسانية (الرجولية) فإن الرجل هنا يمكنه ان يغضب ويثور ويتلفظ ببعض الكلمات الجارحة داخل الأسرة مع الزوجة أو الأخت أو الأبناء وذلك بحكم سيادته عليهم كنوع من التفريق.
قصور القانون
الأستاذ عادل عبد الغني المستشار القانوني ابتدر حديثه بعدم وجود أي قانون أو مواد خاصة للتعامل مع العنف ضد المرأة أو العنف المنزلي وهذا يعتبر نقصاً وقصوراً واضحاً في التشريع الجنائي وينبغي على المشرع تلافي هذا القصور بأسرع وقت ممكن وذلك لفصل قضايا العنف المنزلي عن المواد العامة التي تتعامل مع مسألة العنف والتي لا تميز بين العنف المنزلي وأنواع العنف الأخرى ضد المرأة، ويتم التعامل معه حالياً في نطاق مواد القانون الجنائي العام شأنه شأن أي عنف آخر دون تمييز ويمثل هذا العنف اذى خفيفاً أو اذى جسيماً أو جراحاً أو قتلاً فيتم التعامل معه وفقاً للمواد العامة التي تحرم وتعاقب على هذه الأفعال، والاختلاف الوحيد بين هذه القوانين هو انه بعد انشاء نيابة متخصصة للأسرة والطفل تصبح هذه النيابة هي التي تتعامل مع هذه الجرائم دون سواها، ولكن بذات القانون دون اختلاف في القانون. هناك جانب آخر هو انه يوجد فقط قانون الأحوال الشخصية وهو يتعامل مع هذا الأمر ليس كمسألة عقابية وإنما كمسألة تتعلق بقضايا الطلاق والعنف ضد المرأة، ويمكن ان يصنف من ضمن حالات الضرر الذي يمكن ان تحكم المحكمة بموجبه بالطلاق وذلك في حالات مثل ان يكون هذا الضرر تستحيل معه الحياة الزوجية ولا يليق بمثيلاتها، وربما يحتاج القانون الى بعض التعديل وربما تفسر بعض المحاكم أو ترى ان بعض أنواع العنف لا تبرر الطلاق أو عنف معين ضد فئة معينة من النساء لا يبرر أيضاً الطلاق وهذا يحتاج لتدخل المشرع لجعل كل أنواع العنف مبرراً للطلاق لصالح المرأة.
وأضاف الأستاذ عادل إن احدى السوابق القضائية القديمة رفضت المحكمة فيها منح الطلاق لإحدى زوجات الغجر التي طلبت الطلاق بسبب ضرب زوجها لها ورأت المحكمة رفض الدعوى بالطلاق لأن مسألة الضرب عادة سائدة عند الغجر لزوجاتهم وهذا على حد حكم المحكمة.
** المحررة:
ما ذكره لي الأستاذ عادل – المحامي – أثار الدهشة التي اختلطت بمشاعر الغضب، ودهشت حينما عرفت ان المحكمة قررت رفض دعوى الطلاق لإحدى زوجات الغجر لان الضرب عادة سائدة (سيئة) موجودة في مجتمعهم، وتساءلت لماذا تعامل هي معالمة الآخريات مع أنها رفعت دعوى الطلاق؟ أي انها رافضة لذلك العنف الذي ارتضت به مثيلاتها. أما الدهشة فكانت في ان القانون لا يحمي المرأة من العنف. لذلك هذا التقيد غير مواكب لقيم وحقوق الانسان ويجب ان يكون للقانون دور في الارتقاء باخلاقيات الناس وممارساتهم بدلاً ان يقدر الممارسات الخاطئة ويؤسس عليها الاحكام؟!!

تحقيق: دار السلام علي
صحيفة الراي العام