زهير السراج
ما بدوك كم ؟
* لا تغرنكم أيها القراء الأعزاء المظاهر الخادعة والألوان البراقة وكثرة الصحف وكلماتها الصادحة بالحق كما يبدو للناظر حتى يظن انها مؤسسات ناجحة يسود فيها النظام والعدل ويكرم فيها الانسان .. ولكنها على النقيض للأسف الشديد .. يبيض ويصفر فيها الفشل والظلم وكل أنواع المساوئ التى تنتقدها فى الآخرين، ولست استثناءً من هذا النسيج المهترئ !!
* معظم الصحف، ان لم يكن كلها، تصدر بعرق الغلابى من ابنائنا واخواننا الصحفيين والمتدربين (والصحفيات والمتدربات) الذين يعملون كل شئ من جمع الاخبار الى الطبع والتصحيح والتصميم حتى الساعات الاولى من صباح اليوم التالى، ويدفعون من صحتهم وشبابهم، ومن جيوبهم فى بعض الأحيان، لصدور الصحيفة ثم لا يجدون الا التجاهل والمعاملة السيئة وتأخير المرتبات شهورا طويلة مع ضآلتها .. ويعانون أسوأ الظروف المعيشية والنفسية والمهنية ولكن لانهم يحبون مهنتهم، ولانهم ابناء وبنات هذا الشعب الطيب تحسبهم أغنياء من التعفف !!
* صحف تصدر وتستمر فى الصدور سنوات طويلة لا يعرف أحد كيف تصدر ومن يمولها .. لا يقرأها أحد ولا يعلن فيها احد ولكنها لا تتوقف ابدا، ولكنها لا تدفع مرتبات العاملين فيها !!
* وصحف تصدر ويقرأها الناس ولكنها لا تدفع مرتبات العاملين فيها !!
* وصحف لا يقرأها أحد وتنهال عليها الاعلانات .. ولكنها لا تدفع مرتبات عامليها !!
* وصحف يقرأها الناس وتنهال عليها الاعلانات ولكنها أيضا لا تدفع مرتبات عامليها !!
* صار هذه هو الحال فى الصحف حتى راجت بين الصحفيين نكتة هى فى حقيقة الأمر حقيقة، وهى ان الصحفى عندما يقابل زميله فى صحيفة أخرى ويجرهما الحديث الى المرتبات ومشاكلها ويريد أحدهما أن يستفسر عن مرتب الآخر يقول له .. (ما بدوك كم؟!).
* كيف تصدر هذه الصحف وتستمر فى الصدور بينما تعاني أشد المعاناة – أو تتظاهر بذلك – فى تسديد مرتبات الذين هم السبب في صدورها واستمرارها ؟! كيف نفهم هذه المعادلة، وهل الذي يدفع تكلفة الورق والطباعة الضخمة يعجز عن دفع مرتبات العاملين الضئيلة أم ماذا ؟!
* يعيش الصحفيون كل هذه المعاناة داخل الصحف وأضعافها في الخارج .. بينما السيد اتحاد الصحفيين السودانيين الموقر نائم في عسل السلطة، وهو يرفع شعاره المحبب الى نفسه :
أنام ملء جفوني عن شواردها ** ويسهر الخلق جراها ويختصموا
صحيفة السوداني
drzoheirali@yahoo.com
17ديسمبر ،2009