أخطأت أو أحسنت ، فللناس والبلد ..!!
قبل العيد ، كتبت فيما كتبت ما يلي : « ثمة أسئلة لو طرحها نواب البرلمان للمراجع العام لاكتمل تقريره بحيث يصبح تقريرا شاملا لكل أوجه الفساد بشفافية غير منقوصة ، أسئلة من شاكلة : ماهي الوحدات الاتحادية والولائية التي أهدرت تلك المليارات ..؟..فالمراجع لم يذكر غير فساد وحدة واحدة ، وهي : هيئة مياه الخرطوم ..فأين الأخريات ..؟..وماهي الولايات التي ضاعت في تسيب أجهزتها تلك المليارات ، ومن هم ولاتها..؟..وماهي الوحدات السبعين الكسولة – والملولوة – التي لم تراجع بعد لعدم التزامها بالمواعيد ، وما هى الوحدات الأربع التي لم تبد الرغبة في المراجعة ، بحيث تضع نفسها فوق قوانين ولوائح المال العام ..؟..ثم السؤال المهم جدا : أين تقرير حسابات المصارف ، ولماذا يتعمد المراجع عدم عرضه للبرلمان كل عام تحت سمع وبصر وسائل الإعلام ، ولماذا يتجاهل النواب سؤال المراجع جهرا عن تقرير القطاع المصرفي كل عام ..؟ ..أليس للناس والبلد في تلك المصارف حق معلوم ، فلماذا يوأد تقريرها ويدفن سرا كل عام ..؟ »
** تلك هي الأسئلة التي طرحتها – في زاوية الرابع من نوفمبر الفائت – بمناسبة عرض المراجع العام تقريره السنوي لنواب البرلمان ، وكانت الزاوية تحت عنوان : المواجع في التفاصيل ..وكنت ولازلت و سأظل أحسب بأنها أسئلة مشروعة ، بحيث يجب أن يلم الرأي العام بكل تفاصيل مايحدث لماله العام ..ولأن التقرير الذي عرضه المراجع العام هذا العام ، بل لأن كل التقارير السنوية التي يعرضها المراجع العام للبرلمان طوال الأعوام السابقة بلا تفاصيل ، طالبت بالتفاصيل ..حيث ليس من العقل أن أكتفي أو يكتفي نواب البرلمان بتقرير فحواه : بلغ حجم الإعتداء على المال العام هذا العام « كذا مليار » ..هذا لايكفي ، وهو بمثابة معلومة غير مكتملة ، يعني : « رأس خيط » ..ولكي تكتمل المعلومة وتظهر كل الخيوط وليس رؤوسها فقط ، الناس والصحف بحاجة لمعرفة أية وحدة معتدية على مالنا العام ، اسماً وعنواناً ومديراً أو رئيسا ً.. كذلك الناس والصحف بحاجة لمعرفة أية وحدة تتهرب أو تتلكأ أو ترفض عرض حساباتها للمراجع العام ، اسماً وعنواناً ومديراً أو رئيساً ، أي أيكفي أن يكتفي تقرير المراجع بمعلومة مفادها : لم نراجع حسابات سبعين وحدة حكومية ، أو كما قال التقرير الأخير ..!!
** تلك كانت الغاية من أسئلة الرابع من نوفمبر الفائت ، أي إبراز الشفافية وإشعال الوضوح عند تناول القضايا التي من شاكلة : كيفية تصرف مؤسسات العامة في أموال العامة .. وكان على ديوان المراجع العام يومئذ تعليمنا ما لا نعلم أو إفادتنا بما يفيد الناس أو تصويبنا إذا أخطأنا بالتعقيب الصريح ، وما كان عليه أن يذهب إلي مجلس الصحافة شاكيا ، وهذا ماحدث يا صديقي القارئ .. حيث اقتبس الديوان تلك الأسئلة وقدمها لمجلس الصحافة قائلا قولا معناه : كاتب الصحافة يستهدف المراجع العام وديوانه بتلك الأسئلة وعليكم محاسبتهما ، الصحافة وكاتبها ..عد بنظرك ياصديقي إلي تلك الأسئلة ، ثم ضع يدك على السؤال الذي يترآى لك بأن استفهامه يستهدف المراجع لكي اعتذر له « بدل المرة مية » .. ليس في الطرح أى إستهداف خاص أو شخصي ، بدليل أن تلك الأسئلة ليست موجهة للمراجع العام فقط ، بل لنواب البرلمان أيضا ، حيث كان عليهم طرح تلك الأسئلة وعرضها في الهواء الطلق ، خاصة : أسماء الوحدات التي تعتدي على المال العام و أسماء الوحدات التي ترفض عرض حساباتها على المراجع العام ، ثم أسماء المصارف التي بها تجاوزات مع توضيح حجم هذه التجاوزات .. !!
** نعم ، يجب على نواب البرلمان « فلفلة التقارير الرسمية » تحت سمع وبصرالإعلام ، بدلا عن الجلوس كما التلاميذ في حضرة « تقارير مبهمة » ..واليوم إذا سألت أي نائب برلماني عن الوحدات المتهربة عن المراجعة ، لن تجد إجابة كاملة .. وكذلك إذا سألته عن تفاصيل ما في تقرير المصارف ، فلن تجد منه إجابة شافية ، لأنه لم يسأل عنها المراجع العام يومئذ ، بل اكتفى بالاستماع إلي « إنشاء التقرير العام » ..والصحف – ياعزيزي الديوان – تختلف عن هؤلاء النواب « الطيبين أوي » .. الصحف تبحث عن جوهر الحدث ، ولا تكتفي بمظهر الحدث الذي من شاكلة « بلغ حجم الإعتداء كذا مليار » .. البحث عن التفاصيل هو الفرق بين « سلطات الصحف وجلسات برلمان نيفاشا » .. ولو لم يكن هناك هذا الفرق لتقدم الديوان بشكوى ضد البرلمان ، كما فعلت تجاه الصحافة .. المهم ، مجلس الصحافة لم يطلب اعتذارا ولا غيره ، بل لم ينظر حتى إلي خطاب الديوان بمنظار القاضي ..ولكن رقابة متوجسة بداخلى – أقوى من قوانين المجلس وغيره – ترغمني على الاعتذر للمراجع العام على أي خاص ترآى له من سطور تلك الأسئلة ، وليس بالضرورة أن يترآى لي أو للقارئ ، ربما أخطأت في صياغة سؤال ، ربما ..فعذرا إن كان كذلك ، ويبقى النقاش في العام مع ديوان المراجع وغيره متواصلا ما بين : « أخطأت في حق العامة و أحسنت في حق العامة » .. !!
إليكم – الصحافة الاحد 20/12/2009 العدد 5923
tahersati@hotmail.com