تحقيقات وتقارير

النيل الأزرق نموذج للتعايش بالسودان

تبدو ولاية النيل الأزرق صورة مصغرة للسودان من حيث التكوين العرقي والقبلي الذي يمزج بين الثقافات والعادات العربية والأفريقية، وهو ما ظل تاريخيا عاملا محفزا على التعايش بسلام بين مكونات تلك التركيبة الفريدة لتجسد تنوع ثراء لا تنوع تضاد.

وحسْبُ المرء أن يجوب شوارع وأزقة الحواضر كالدمازين والكرمك وقيسان ليرى ثراء التكوين العرقي والقبلي الذي يبدو جليا في اختلاف السحنات واللهجات والعادات، ويتأكد الأمر بصورة أخرى لمن يتجول في الجبال والبراري والوديان حيث تتأصل التقاليد القبلية.

وتقع الولاية على خط التماس مع جنوب البلاد المقبل على استفتاء لتقرير المصير في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل وتجد نفسها مقبلة بدورها على مشورة شعبية لأخذ رأي مواطنيها في اتفاقية السلام.

ويتفق الجميع على أنه لا صلة للاختلافات العرقية والقبلية بالصراع العسكري الذي جرى جزء منه قبل الاتفاقية على أرض النيل الأزرق, أو بما قد يحدث من توترات في المستقبل بسبب الخلاف مع المركز على السلطة والثروة.

العربية قاسم مشترك

نجلاء عوض الله (الجزيرة نت)
وتقول مديرة مركز السلام والتنمية التابع لجامعة النيل الأزرق نجلاء عوض الله إن عدد قبائل النيل الأزرق لا يقل عن عشرين قبيلة “إما محلية وإما وافدة من شمال السودان أو من غرب البلاد خاصة من كردفان ودارفور”.

وتضيف الباحثة السودانية للجزيرة نت أن تلك القبائل التي أظلتها مملكة الفونج منذ مطلع القرن السادس عشر لهجات متعددة، لكن اللغة العربية هي الجامع المشترك بينها, وتشدد على أن الولاية نموذج التعايش السلمي.

فلغة أو لهجة الـ”برتا” هي السائدة في النيل الأزرق. لكن حين يصعب التفاهم بين شخصين من قبيلتي الإنغسنا والكدالو على سبيل المثال فيلجأ المتحدثان إلى العربية.

وتستعرض الباحثة نفسها أسماء كثيرة لقبائل تسكن الولاية، منها الإنغسنا والبرتا والهمج والكدالو والقمز والبرون تمتهن في الغالب الزراعة, وتذكر قبائل أخرى مستقرة بالمنطقة منذ زمن، من بينها قبائل الدينكا الجنوبية.

وحين تتحدث عن الوافدة منها, فهي تذكر العربية منها وهي قبائل منحدرة غالبا من الجزيرة العربية مثل عرب كنانة ورفاعة, وجزء كبير منها غير مستقر، إذ يمتهن أساسا الرعي. ومنها أيضا الشايقية والدناقلة إضافة إلى المسيرية والرزيقات.

ومن القبائل الأخرى المصنفة وافدة الفور والزغاوة من غرب السودان, زيادة على قبائل وفدت من غرب أفريقيا مثل الهاوسا والفلاتة والبرنو. وتؤكد نجلاء عوض الله أن نسبة التعايش بين قبائل النيل الأزرق لا تقل عن 90%, وأن المشاكل البسيطة تحدث أساسا بسبب الرعي.

تعايش

يوسف حسن عدلان (الجزيرة نت)
والتعايش بين قبائل الولاية كما يؤكد باحثون محليون يشمل أيضا الجانب الديني، إذ يتعايش الإسلام مع أقليات مسيحية أو لا دينية.

وفي هذا السياق يشير الباحث في الأنثربولوجيا والآثار محمد آدم إلى أن الأقلية المسيحية تنتمي في الغالب إلى قبائل منحدرة من الحبشة مثل الأودك والبرون, وأخرى محلية مثل الإنغسنا كانت ضمن مناطق أغلقها المحتل البريطاني.

ويقول للجزيرة نت إن هناك اعتقادا بأن قبائل البرتا هي الأقدم في المنطقة, ويشير إلى أن تزاوجا حدث بينها وبين قبائل عربية مما ساعد على تأسس مملكة الفونج قبل خمسة قرون.

من جهته, يشير رئيس الإدارة الأهلية بالولاية د. يوسف حسن عدلان إلى أن جل النزاعات تُسوّى حسب الأعراف والتقاليد على ألا يتعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية.

ويقول للجزيرة نت إن الإدارة الأهلية في النيل الأزرق تعمل بنفس النظم الموروثة منذ مئات السنين وتحديدا منذ قيام مملكة الفونج, وإن المشاكل التي تتوسط فيها تتعلق غالبا بالأراضي الزراعية والسكنية.

ويؤكد عدلان أن كل المنازعات ابتداء من إتلاف المزروعات إلى القتل تعرض على الإدارة الأهلية, وإن كل المتنازعين -عدا قلة منهم- يقبلون بالأحكام التي تصدرها هيئة تسمى مجلس الأجاويد (رجاله من الطرق الصوفية), وهي تجمع بين الأعراف والقانون.

الجزيرة نت