[ALIGN=CENTER]البدون,,, قادمون [/ALIGN]
“صقور وحمائم” من المصطلحات السياسية المتداولة والتي تُستخدم للتفريق بين القيادات في النظام أو الحزب الواحد؛ فالذين يتشدّدون مع منافسيهم أو خصومهم من السياسيين يُسمّون صقوراً والذين يترفّقون ويتعاملون باحترام مع المنافسين والخصوم يُسمّون حمائم. الأمرُ ليس مرتبطاً بالتنازل عن المواقف والمبادئ إنما في تقديري مرتبط باللغة؛ فالصقور يعتمدون على اللغة ذات الألفاظ العنيفة بينما الحمائم يستخدمون لغة متوازنة وأحياناً يتخذ الحمائم مواقفَ أكثر صرامة وأكثر حزماً من الصقور ولكن بدون ضوضاء وبلغة هادئة. الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية له تحفُظٌ واضحٌ على اتفاقية السلام الشاملة منذ توقيعها، وتقييمه لتنفيذها يقع في خانة السلب إذ يرى أنها لم تُحقق سلاماً ولا وحدة وقد ترجَّل منها أو رُجِّل – بضم الراء- ونيفاشا في طور الإعداد؛ لكنّه عاد لقيادة التفاوض مع الحركة الشعبية مع غرايشن ثم وجد نفسه في مواجهة الحركة الشعبية مواجهة مباشرة بحكم أنه رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الوطني؛ والمعلوم أنّ البرلمان هو المحطّة الأخيرة التي تخرج منها كل القوانين المتعلقة بتنفيذ نيفاشا. حاول غازي من خلال البرلمان أن يتخذ خطاً مُغايراً للخط السياسي لحزبه أوللقيادة العليا للحزب – وهو بالطبع واحد منها- وقد ظهر ذلك جلياً عند مناقشة المادة (27 البند 3) والمتعلقة بالمكان الذي سيصوِّت فيه الجنوبيون الذين خرجوا من الجنوب قبل الاستقلال، كذلك عند مناقشة المادة (67) المتعلقة بقضايا مابعد الانفصال؛ وقد تغلبت وجهة النظر المغايرة لوجهة نظر غازي فما كان منه إلاَّ أن غاب عن جلسة البرلمان التي أجازت تلك المواد وسجّل بذلك موقفاً مُعلناً كما ذكرفي برنامج الأستاذ الطاهر حسن التوم الذي بثته قناة النيل الأزرق؛ وهنا يحقُّ للمراقبين تقييم موقف الدكتور غازي بما يرون. في تقديري أنّ موقف الدكتور غازي من المادة (67) في قانون تقرير المصير يدعو للتوقف فقد أثار تحفُظاً يجب الانتباه له؛ فغازي يرى أنَّ مناقشة قضايا مابعد تقرير المصيركالجنسية والحدود والمياه والديون وأصول الدولة وغيرها يجب أن تتمّ قبل الاستفتاء لأنه إذا أقرّ الاستفتاء الانفصال فأنَّ هذه الأمور قد تكون مدعاة لحرب جديدة قد تكون أشدَّ ضراوة من تلك الحرب الأهلية إذا لم تُحسم الآن. ركّز غازي في حديثه للبرنامج على قضية الجنسية خاصّة في ما يتعلق بمصير الجنوبيين المقيمين الآن في الشمال والشماليين المقيمين في الجنوب فهؤلاء يجب أن يُحسم أمرهم بتحديد الدولة التي يتبعون لها في حالة الانفصال، وخشي عليهم غازي من مصير (البدون) الموجودين الآن بين الكويت والعراق وبذا يكون غازي قد لفت نظر الجميع إلى مسألة خطيرة. في تقديري أنَّ (بدون) السودان سيكونون مختلفين عن غيرهم من البدون لأنه الآن يُوجد جنوبيون كُثر أصبحوا من سكان الشمال سواءً في العاصمة أو الأقاليم، وفي العاصمة منهم من يقيم في أطرافها ومنهم من امتلك منزلاً في الأحياء المُخططة بما فيها الأحياء الراقية؛ والأمر المؤكد أنَّ الشمال لن يضيق ذرعاً بهم فالسودان وتحديداً الشمال مفتوح (للغاشي والماشي) ومن كل الدنيا فما بالك بأُناسٍ كانوا مواطنين كاملي المواطنة فيه ؟ ولكن، لو اندلعت حربٌ بين البلدين بعد الانفصال -لاسمح الله- فإنّ وضع هؤلاء سيكون خطراً؛ وبما أنَّ عدد الشماليين المقيمين في الجنوب قليلٌ وسيقلُّ بعد الانفصال- لاسمح الله- فإنّ حكومة الجنوب سوف تنتقم من القبائل الحدودية كالمسيرية والرزيقات وتنقض عهدها معهم المتعلق بحقوق الرعي.. فيا جماعة الخير أسمعوا كلام غازي في (حتة 67 دي).
صحيفة التيار – حاطب ليل9/1/2010
aalbony@yahoo.com