طارق الأمين في إفادات جريئة : عقليات مستبدة في أجهزة الإعلام خنقت مشروعي
ظلت فرقة الهيلاهوب منذ إنطلاقتها في التسعينيات، مهمومة بمعالجة القضايا الإجتماعية في قوالب فكاهية خفيفة، سارت على نسقها العديد من الفرق الجديدة، إلا فرقة الهيلاهوب، وعرابها طارق الأمين، قد توارت عن الأنظار لوقت طويل.. وافتقدت الأوساط دورها ورسائلها في دعم الوحدة الوطنية، ورغم الدور الطليعي للهيلاهوب إلا أن البعض يرى فيها مشاريع فنية فاشلة لا تتسم بالنفس الطويل، وذلك من عدم مقدرتها على إنتاج أعمال ملحمية تبقى في الأذهان، إضافة الى الإنقسامات التي ظلت ملازمة لها مما أضاع ملامحها وأهدافها الرئيسية، ذات التساؤلات وغيرها أجاب طارق الأمين مؤسس فرقة الهيلاهوب وصاحب مشروع بيت الفنون الثقافي فإلى نص الحوار..
……
* أين طارق والهيلاهوب التي كانت ملء السمع والبصر؟
– صحيح، قمت بإنتاج وتأليف وإخراج عدد كبير من الأعمال الفنية على طريقة الفيديو كليب التمثيلي عبر فرقة الهيلاهوب وهو نظام يسعدني أن أكون مبتكراً للطريقة الواضحة في المزج بين الدراما والغناء.. وقد انتشر منذ مطلع التسعينيات، حتى بدأت تقلده مجموعات أخرى، وحمل كثيراً من الرسائل التي كنا نحتاجها في مجتمعاتنا في تلك الفترة، وأصبح مدرسة تمتاز بها فرقة الهيلاهوب، وما زالت قادرة على تقديم ومعالجة كل القضايا في قوالب فكاهية ومقبولة غير أن الرياح لا تمضي دائماً كما تشتهي السفن، وكان ان ضيقوا على الخناق.
* من الذي ضيق عليك؟
– بعض من رأوا ان مشروعي ينافسهم فنياً وآخرين من العقليات المستبدة المتواجدة في دهاليز الأجهزة الإعلامية التي تخنق مسار الفعل الإبداعي وتتحكم فيه صعوداً وهبوطاً لأسباب بعضها شخصية وبعضها سياسية وما دروا أن الفنون كانت ذلك النفاج المفتاحي المؤدي الى السلم الاجتماعي و الرقي والتقديم ولكنهم أضاعوه وأي فتى أضاعوا..
* في الآونة الأخيرة كثرت إنقسامات الفرق الفنية.. كيف تراها؟ وهل تضررت الهيلاهوب منها؟
– لا أرى في الإنقسامات كارثة أو مشكلة، بالعكس في ظني أن إنقسامات المجموعات الفنية أمراً ليس مخيفاً إن لم يكن جيداً.
* كيف؟
– إنه يضخ مزيداً من المجموعات المتنافسة على الساحة، ثم إنه مرحلة في التحول عند الفنان من العمل الجمعي الى النشاط الفردي. والنشاط الفردي ذو قيمة عالية في مجال الفنون.. فالفنان يسعى لتحقيق ذاته فردياً فيحضره الإلهام فرداً وليس مجموعة ويسعى لتنزيل حالته الشعورية السامية الى أرض الواقع وتختلف الممارسة عند الفنان من العمل الجماعي الى الفردي حسب الظروف المحيطة، ومن هذا المنطلق لا تزعجني الإنقسامات بل فيها قوة ودافع لمزيد من العمل الفني فهي كالذرة لا تبدأ قوتها في الإنطلاق إلا بعد الإنشطار.
* عدم وجود ا لجديد أليس مرتبطاً بإستقرار الهيلاهوب؟
– أسباب التوقف عن إنتاج الجديد ليست له علاقة بالهيلاهوب وإنما له علاقة بمحاولة تجريب أعمال إبداعية جديدة عبر وسائط أخرى خلاف التلفزيون، بعد الاستياء الذي ظل يبثه التلفزيون في نفوس المبدعين والمشاهدين في آن واحد، لذلك انطلقت عندي فكرة بيت الفنون كمتنفس جديد للعمل الإبداعي، وبدأت الفكرة كما يراها الناس الآن، ولا استبعد ان تتحول الى قناة فضائية أو قنوات وإذاعة.. الآن لنا مسرح، واستديو، وقاعة للمؤتمرات ونقيم الحفلات الموسيقية والأنشطة الدرامية ونسهم في كسر الحاجز للأطفال ليأتوا الى دنيا الفنون، لأنها مورس عليها تهميش في حقب كثيرة، وهذا المشروع لا أراه أقل مما كنت أوفر له جهدي وطاقتي في السنوات الماضية.
* بيت الفنون مشروع جميل.. لكن وصوله محدود لأنك كنت تذهب للناس في بيوتهم، والآن تطلب إليهم الحضور إليك هل تسمح لهم الظروف؟
– لم أمتنع عن الذهاب إلى منا زلهم.. وهذه عملية لا تكتمل إلا بشراكة تخص أطراف أخرى.. لم تعد هناك قنوات تستطيع تمويل أعمالنا مثل ما كان يفعل التلفزيون في السابق، فقد سيطر على الحركة الإبداعية عقول متجمدة وأصبح الفنانون يعانون من أخذ حقوقهم من الأجهزة الرسمية مثل التلفزيون لسنوات طويلة وتمنعت الشركات الكبرى التي كانت تدعم العمل الإبداعي بالرعاية ورفعت يدها وفضلت توجيه أموالها ناحية قطاعات الرياضة وغيرها، وساد الإحباط القطاع الفني والمسرحي والموسيقي جراء جرم أسهمت فيه أطراف أخرى مما أفضى إلى خلو الساحة الفنية من الإشراقات والأعمال الذكية التي تشد الناس لذلك من الطبيعي ان يقل ظهوري وأعمالي على الشاشة فأنا لا أرغب في العمل في هكذا أجواء من عدم التقدير والكساد الإبداعي والتسلط والبؤس وكان بديلاً لذلك ان أشق طريقاً جديداً استطيع فيه التواصل مع جمهوري بطرق جديدة واكثر قرباً وإلفة وحميمية بدلاً من الإنتظار خلف قضبان الإهمال وانتظار شمس قد لا تشرق قريباً في سماء الدراما كالحة السواد منذ سنوات.
* الهيلاهوب تنتج أعمالاً رسالية.. لكنها غابت عن رسائل الوحدة في الوقت الحاضر والبلاد أكثر حاجة الى أعمالكم؟
– الآن لدىّ كثير من الأعمال أنتجت قبل عدة سنوات حبيسة أدراج التلفزيون لم يبثها في الوقت الذي كنا نحتاج لها في السنوات الماضية وكان الوقت كافياً لخلق وحدة وجدانية بين الشمال والجنوب عبر الفنون، وقبل خمس سنوات كان لدى من الأعمال التي شارك فيها مبدعون من الجنوب وقمت بتسجيلها للتلفزيون القومي.. هذه الأعمال وغيرها كان من الممكن ان يسهم بثها المتكرر في صنع وجدان مشترك شمالي جنوبي.. وأنا لا أراها تبث منذ سنوات، ليس من حقي محاسبة التلفزيون فهذا مزاجه ومن حقي أن أقول رأيي ومن حقك أنت ان تتوجهي بأسئلتك للمعنيين بالتلفزيون إن كان هناك ثمة وقت متبقي لأمر الوحدة.
* في القضايا المصيرية هل تغيب الفنون أم يتم تغييبها؟
– الفنون عملية متكاملة تحتاج لشراكات بين عدة أفراد بما فيهم المشاهد وهذه الشراكات تحتاج الى ذهنيات متفتحة لتقويتها حتى يكتمل وجود الفنون بشكل ملهم وباعث للأمل وصانع لوجدان وحدوي جديد.. وهي عملية لا تخلو من الارتباط بالسياسة والاقتصاد، وتبدأ من المبدعين أنفسهم هل هم قادة لحركة الرأي والفكر والسلوك في المجتمع، وهل لهم من المنابر ما يكفي لتوصيل رسالتهم في المجتمع؟ وهل الممارسات التي تتم في المجال الفني ستفضي الى واقع فني معافى.. وهل لأصحاب القرار في بلادنا نظرة إيجابية تجاه المبدعين.. قلت لك إنها عملية معقدة لها ارتباط حتى بالمشاهد نفسه.
* هل ألغت إدارة بيت الفنون نشاطاتك السابقة، كتابة الشعر، والتمثيل، وخلافه..؟
– أنا أضع وسيطاً جديداً يجمعني بالجماهير، وما زلت أكتب الشعر وأقوم بالتلحين وبالإخراج أحياناً على خشبة المسرح، إضافة الى أنني أعد لمفاجأة فنية في الأيام القليلة القادمة.
* لجوء الفرق للكاسيت.. هل بسبب ضيق المنافذ.. أم البحث عن وضع أفضل؟
– الاثنان معاً.. شئنا أم أبينا قادتها الظروف المحيطة لنبحث عن منفذ لأعمالها وكان عن طريق الكاسيت والعروض الجماهيرية المباشرة وقد تتغير حسب الوسيط الذي يناسب ظروف هذه المجموعات.
الكاسيت الموجود في السوق بعضه لا يمكن ان يكون أعمالاً فنية مما يجعله في نظر البعض محض استرزاق ما رأيك في المطروح؟
– تتباين القيمة حسب العمل.. ولا يمكن ان نطلق عليها بسهولة استرزاق.. ففي ذات الصحيفة تحمل مقالات جيدة وآخرى غير جيدة وهكذا قد تجدين في الكاسيت الجيد والرديء.
* البعض يرى هذه الفرق ظواهر لا تعيش طويلاً ولا تقدم أعمالاً ملحمية كبيرة مما يجعلها قصيرة النفس؟
– أكلمنا «21 عاماً» أو يزيد وكلمة «ظاهرة» التي يطلقونها خرجنا منها وتحولنا الى مدرسة لدينا «500» عمل في موقع يوتيوب.. إضافة للكاسيت وما قدمناه في التلفزيونات، وكلها تعيش مع الناس ويتلقفوها جيل بعد جيل، وبها الكثير من الأغاني التي وجدت لها مكاناً في الذاكرة والآن مشاهدة أعمالنا على النت بأرقام خرافية.
* كيف ترى مستقبل هذه الفرق؟
– المستقبل يرتبط بالبيئة لتطورها ونموها.. وأنا سعيد بأني اختطيت طريقة وأسلوباً يمكن ان يطوره آخرون، وفي ظني سيكون قادراً على العبور بها لأنها تجربة سوية تقوم على أقدام وخرجت خارج الحدود وبثت أعمالنا في قنوات عربية، وتتوافر مجهودات يمكن ان تتواصل بشكل جديد ومستجدات الحياة لا تتوقف وذهن الفنان لا يتوقف بالحضور والجديد والمدهش.
الراي العام
حوار: ماجدة