تحقيقات وتقارير

صحيفة “أخبار الخليج” البحرينية: هل الملف الاقتصادي هو الذي يحرك أوكامبو؟

[ALIGN=JUSTIFY]كتب رئيس القسم الاقتصادي في صحيفة “أخبار الخليج” البحرينية عبدالرحيم فقيري مقالا اليوم حمل عنوان “هل الملف الاقتصادي هو الذي يحرك أوكامبو؟” قال فيه: طرح هذا السؤال بقوة، خارج أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، قبل أن تبدي أطراف دولية ذات صلة، مواقفها الحاسمة تجاه بقاء قوات الأمم المتحدة المشاركة في القوات الهجين بدارفور منذ فترة ليست بالطويلة، بغرض حفظ السلم والأمن (كما هو معلن) بهذا الإقليم السوداني الذي تزيد مساحته على مساحة فرنسا. ويبدو أن قناعة دول مثل روسيا والصين بحقيقة وأبعاد الصراع الذي أريد تدويله وإخراجه من ملفه القبلي التاريخي إلى ملف سياسي إنساني عالمية من الطراز الأول، أحدث ما يشبه التصدعات على جدار الدبلوماسية العالمية، بعد أن أفصحت الدولتان عن رفضهما التوصيات التي قدمها المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية أوكامبو، بشأن التحقيق مع رئيس الجمهورية عمر البشير في الاتهام الموجه إليه من المدعي العام في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في الملف الدارفوري، فيما أكدت الولايات المتحدة وبريطانيا دعمهما لاستمرار تواجد (فصيل) قوات الأمم المتحدة في مجمل رتل القوات الهجين مدة عام آخر، وهو ما فسره الكثيرون بأنه عمل يعطي إشارة واضحة أن المجتمع الدولي غير راغب في تقديم البشير ونحو 52 مسئولا حكوميا وردت أسماؤهم في لائحة الاتهام من أوكامبو لضلوعهم في تلك الجرائم. والواقع، فإن الحكومة السودانية، كانت تؤكد في كل مناسبة عن أزمة دارفور، أن كل ما في الأمر، أن جهات دولية ذات أجندات واستراتيجيات استعمارية، تريد تدويل ما يحدث من صراعات تاريخية قديمة (تقليدية) بين القبائل البدوية الرعوية الموجودة في ولايات الإقليم الثلاث، لإيجاد موضع قدم تنفذ من خلاله إلى الإقليم والاستفادة من استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في تلك المنطقة، أهمها النفط واليورانيوم، وهي موارد عمدت شركة شيفرون الأميركية لإخفائها وتغييبها عن علم السودانيين لأكثر من عقدين من الزمان، كانت مكلفة خلالها رسميا للتنقيب عن النفط والمعادن الأخرى التي تزخر بها تلك المنطقة. وقبل أن تفوتنا تفاصيل الملحوظة التي طرحناها بشأن القبائل الرعوية البدوية ذات الصراعات التاريخية (التقليدية) في ولايات دارفور، فإننا نوضح هنا من خلال معرفتنا اللصيقة بطبيعة نمط حياة البدو الذين نسميهم في السودان (البدو الرحـل)، نوضح أنه بات شيئا من مسلمات حياة هذه القبائل، أن تخوض صراعات قبلية تأخذ طابع الصراع المسلح ــ أحيانا ــ ضد بعضها، إما بسبب غارات مخطط لها تشنها قبيلة ما على أملاك قبيلة أخرى، أو بسبب التعدي غير المقصود على هذه الأملاك التي غالبا ما تكون إما الكلأ التي ترعاها الإبل والضأن والماشية، أو المياه التي تعتمد عليها هذه القبائل بما تملكها من القطعان في حلها وترحالها بحثا عن الكلأ والماء في إطار نمط الحياة الذي أشرنا إليه. وبعيدا عن سياسات تغييب الحقائق التي مارستها “شيفرون” طوال تلك الفترة، فإن الولايات المتحدة عمدت دائما إلى ممارسة ضغط مكثف مشدد، وتهديدات مكشوفة وصلت إلى حد اعتبار الشركة متعاونة مع عناصر راعية للإرهاب، حين كانت نبرة (السودان دولة راعية للإرهاب) نبرة سائدة حسب طبيعة الملفات السائدة آنذاك لو تذكرون، مارست واشنطن مثل هذا الضغط على شركة “تالسيمان” الكندية التي كانت تملك حصة 25% من الإنتاج النفطي في السودان، حتى خرجت الشركة نافضة يدها من “التورط في هذا الملف الهالك”، بعد أن باعت حصتها لشركة النفط الوطنية الهندية. هاتان النقطتان اللتان اعتمدتهما الولايات المتحدة (نقطة تغييب حقيقة أن السودان يطفو فوق بحيرة من النفط والغاز ويجلس على مقعد من المعادن والثروات الطبيعية، ونقطة إرغام تالسيمان على نفض اليد من استثمار ذي عوائد ومكاسب لا يختلف اثنان على أنها مكاسب يسيل لها لعاب أي شركة)، هاتان النقطتان كشفتا بشكل فاضح، الاستراتيجيات الأميركية الرامية إلى الاستحواذ على مكامن للثروات كانت تحاول تأجيلها حسب أجندة الحلم الأميركي الهادف إلى السيطرة والاستحواذ على جميع مكامن الثروة والقوة والنفوذ في العالم، وهذه الديباجة التي لم تكن تعجب المسئولين الأميركان دائما في الخطاب الرسمي السوداني، وكانت هي نقطة الخلاف والاختلاف والصراع الشرس الخفي الدائر بين دولة عظمى مثل أميركا، ودولة استطاعت أن تغلق ملف (المجاعة) المفتعلة في الصراع مع الجنوب بإحلال السلم وإحداث التنمية، لكن أصحاب استراتيجيات الاستحواذ على الثروات سرعان ما فتحوا ملفا آخر، أرادوه أن يكون أكثر سخونة وأكثر سرعة بالفتك بالنظام السوداني الذي ليس على وفاق مع أميركا، ويعلن صراحة خروجه بالكامل عن الطوع الأميركي وعصيانه أوامرها وبحثها عن الحرية والاستقلالية في إدارة شئونها الداخلية. طبيعة العلاقات هذه بين أميركا وحكومة السودان، وطبيعة الصراع الدائر بين القبائل الدارفورية الذي تحول إلى صراع بين هذه القبائل والحكومة السودانية، بفعل (النفخ الدولي في القربة)، جعلتا ممارسات الحكومة السودانية في القيام بواجبها لاستتباب الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، جريمة حرب دولية تستحق (إهانة دولة ذات سيادة) بتقديم مسئول ما زال على رأس السلطة في الدولة، إلى محكمة جنايات ليس السودان من الدول المصدقة على تأسيسها، وهو الأمر الذي يجرد ويفرغ ما يحدث من تصرفات مخجلة في علاقات السودان بمجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو أية جهة قد تدافع عن وجهة نظر أوكامبو التي اعتبرت صراعات تاريخية تقليدية بين قبائل من البدو الرحل تدخلت الحكومة بقوات نظامية لوقفها بعد استفحالها، جرما أكثر فداحة من فظائع الحرب التي وقعت في كثير من دول العالم قادتها الولايات المتحدة أو تمارسها إسرائيل، أو حتى حدثت في الجنوب السوداني على مدى أكثر من 20 عاما، كان الفضل للحكومة السودانية الحالية في وقف نزيفها، غير أن خشية الولايات المتحدة من قدرة الحكومة السودانية على وقف نزيف حرب أقل مستوى من حرب الجنوب بمئات المرات، وبالتالي إحلال السلام وتحرر دولة ذات إمكانيات وموارد طبيعية كامنة هائلة يمكن أن تحقق للعرب حلم أن يكون لهم اكتفاء ذاتي من القمح الذي تستخدمه أميركا ورقة ضغط رابحة تمرر من خلالها كل المشروعات الهادفة إلى السيطرة على مكامن الثروة. فالاستثمارات التي استقطبها السودان في السنوات الأخيرة من دول خليجية وعربية وآسيوية وهي استثمارات تقدر بمليارات الدولارات لاشك أنها أرقت بال الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن لم تشعر بالوخزات المؤلمة للضغط على الجروح والقروح، إلا حين انكبت دول الخليج على الاستزراع والاستثمار في التنمية الحيوانية، بعيد أزمة أسعار الغذاء التي ضربت العالم، لاسيما دول الخليج التي تستورد كامل غذائها تقريبا من الخارج، فاستزراع دول الخليج في السودان وبالتالي تقطيع فاتورة استيراد القمح وتحقيق نمط من الاستقلال الغذائي، في ظل الارتفاع الشديد لأسعار النفط الصادرة من الخليج إلى أميركا التي تعد أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم، يثير جنون واشنطن أو الذين يتصرفون بالنيابة عنها مثل أوكامبو، يمكن أن يدفعها ليس إلى تقديم الرئيس السوداني للمحاكمة في لاهاي فحسب، وإنما لتقديم كل ما هو سوداني إلى محاكم تحكم عليهم بالإبادة الجماعية. إذن، فإن الملف الاقتصادي يأتي في مقدمة أية تحركات دولية يسعاها مسئولون تحت قبة محكمة لاهاي التي لم تعد مستقلة في واقع الأمر، طالما أنها باتت تحيل قضايا سياسية إلى قضايا عدلية تلاحق بها مسئولين لهم مواقف سيادية وسياسية متمردين عن إملاءات دول أخرى، أو تحت أية قبة كانت سواء مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.
سونا [/ALIGN]