جعفر عباس

الكذاب والكتكت


[ALIGN=CENTER]الكذاب والكتكت [/ALIGN] كتبت أكثر من مرة عن صديقي الكذاب المصري عبدالرحمن محسن المقدم، وأثبت أنه وباعترافه كذاب محترف، ولو كان يدرك مدى براعته في الكذب لكان له شأن كبير في مجال العمل السياسي، ولكنه يكتفي بالكتابة الصحفية وسيناريوهات الأفلام.. في حفل تدشين موقعي على الانترنت “شبكة منابر أبوالجعافر” .Jaafarabbas.com في 17 يناير المنصرم في الدوحة كان الكذاب حاضرا بحكم الصداقة القديمة والقوية التي تربطني به وبأسرته (سبق أن قلت إن شيخا زارني في المنام وقال لي إن من لا يشترك في الموقع سيصاب بالأرق والقلق والفتق والرهق والبهق).. تحدثت خلال الحفل بشيء من الاختصار عن تجربتي الصحفية، ثم رفعت قصاصة صحفية كان عبدالرحمن محسن قد كتب فيها بعض افتراءاته التي خصصت لها صحيفة قطرية صفحة اسبوعية كاملة.. قرأت سطورا من مقاله وخلاصته أن النسبة الكبرى من المدخنات العرب “زولات” أي سودانيات، وكان مصدره تقريرا للمكتب الإقليمي لهيئة الصحة العالمية.. ألقيت نظرة على صاحبنا فإذا به يحوقل ويبسمل بصوت مسموع.. كان معظم الحضور سودانيين من الجنسين وبالتالي كانت سلامته في خطر.. بناتنا مدخنات شرهات يا “مفتري”؟
هذا ليس صحيحا.. ولا استنكره لكون تدخين النساء جريمة بينما من “حق” الرجال التدخين والتشييش ولا تثريب عليهم، ولكن سواء كان مصدر الأكذوبة هيئة الصحة العالمية او مجلس الأمن الدولي أو قناة روتانا فإنها تبقى أكذوبة.. على مسؤوليتي فإن السودانيين رجالا ونساء هم الأقل تدخينا مقارنة ببقية شعوب العالم العربي.. الأوكسجين عندنا في تلتلة فما بالك بالنيكوتين؟ بالتأكيد هناك سودانيات مدمنات للتدخين ولكن وبالتأكيد فإن 98% منهن يمارسن التدخين في دورات المياه او في شلل في جلسات مغلقة كجلسات المساطيل.. وبالتالي فليس من الوارد ان يعترفن لهيئة الصحة العالمية او أي جهة تستطلع الآراء بأنهن مدخنات.. فالمجتمع السوداني ذكوري والمجتمعات الذكورية ترى في تدخين النساء عارا و”فضيحة” رغم عدم وجود دليل علمي على ان السجائر تثير الغرائز أو تؤثر على الصحة العقلية بحيث تصبح من تستخدمها غير مسؤولة عن تصرفاتها وبالتالي قد ترتكب عملا يمس شرفها، بينما ينحصر تأثير التدخين عند الرجال على السرطان والتهاب المصران!
زمان، كان التدخين في الأوساط النسائية في السودان مباحا للنساء اللاتي تجاوزن الستين، في الأرياف، حيث تتوافر أنواع من التبغ المحلي زهيدة الأثمان.. وكنت اعتقد ان الله لم يخلق تبغا أردأ من القمشة التي يشتهر بها شمال السودان النوبي، الى ان كنت محشورا ذات يوم في عربة قطار وسط عشرات الركاب، وكنت وقتها قد صرت “متحضرا” وهجرت القمشة واستخدم سجائر جاهزة الصنع أقل ركاكة منها، وفجأة شعرت بدوخة وحكة وأكلان في العينين ونوبة عطس.. وانتقلت العدوى الى العشرات من الركاب وكان مصدر البلاء شخصا من جنوب السودان يضع على فمه سيجارة.. سألته: ده فلفل؟ قال: لا ده كُتكُت.. وعرفت انه تبغ ينبت طفيليا في جنوب السودان ورجوته ان يلقي بسيجارته عبر نافذة القطار وقدمت له سيجارة بديلة.. وبعد نصف ساعة ربت على كتفي: تديني سيجارة وإلا أشرب كتكت؟ واعطيته سيجارة ولما كرر عملية الابتزاز وقفت مخاطبا ركاب عربة القطار: يا جماعة لست وحدي المعرض لخطر الكتكت وعلينا جميعا التبرع لصاحبنا هذا بسجائر تمنعه من استخدام الكتكت حتى نهاية الرحلة، وبكل شهامة تدفقت التبرعات ونال صاحبنا نحو 100 سيجارة ثم مال نحوي مبتسما ومتسائلا عن موعد رحلتي القادمة بالقطار “عشان نسافر سوا”.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com