الطاهر ساتي

« خطاب الشعبي » … ملامح غير مألوفة ..!!

[ALIGN=CENTER]« خطاب الشعبي » … ملامح غير مألوفة ..!![/ALIGN] ** قبل كذا سنة ، كنت أقرأ لزميل يكتب بنهج متطرف .. قلمه لم يكن يرى في الحياة شيئا جميلا ، وكان إذا لم يجد في الشأن الحكومي ما يهاجمه ، يجتهد في أن يخلق شأنا يستحق الهجوم ، أي كان يبني قبابا من حبيبات اللاشئ في سبيل أن يكون كاتبا ديمقراطيا ، أو هكذا نسمي اللامهنية في الطرح والتهريج في النقاش .. فالديمقراطية – في تصنيفات بلادي الصحفية – هي أن تكيل الشتائم بلافهم وليس أن تستخلص النتائج بفهم .. وصديقنا هذا كان مغرما بهذا النوع من الديمقراطية الشتراء ، وكان مداوما عليها ، رغم أنها ظلت ترغمه على الاعتذار يوميا عن أخطاء اليوم السابق والتي ظلت تشكل هاجسا يوميا لرئيس تحريره .. وهكذا حال الصحف التي بعض كتابها يكتبون للناس أو يناقشون قضايا العامة بعقلية « فرض الأحكام المسبقة » ، أي تخطئ يوميا وتعتذر يوميا .. المهم .. فجأة ، وبلا أية مقدمات ، تحول صديقنا هذا الي مائة وثمانين درجة تحولا شكليا وليس جوهريا ، بحيث حلت المدائح محل الشتائم في زاويته .. أي عدم المهنية لم يفارقه ، فقط استبدل الهجاء بلا سبب بالغزل بلا سبب أيضا .. سألت رئيس تحريره – الذي كان مكتويا بنار الهجاء غير المنطقي – عما حدث لهذا الزميل وعن سر التغيير الشكلي المفاجئ ، رد ضاحكا : « كلامك صح ، لكن أغرب حاجة زولك ده مفتكر نفسه أنو بقى موضوعي » .. وضحكنا وافترقنا ..!!
** هكذا المدخل ، فلندخل الي حدث اليوم وأحاديثه المهمة .. الحدث هو الاتفاق الذي تم بالدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساوة ، أما الأحاديث المهمة هي تلك التي يتحدثها المؤتمر الشعبي منذ يوم الاتفاق .. الاتفاق ، كأي اتفاق سلام يجنب الناس والبلد ويلات الحرب ، مهم ومحل اتفاق الجميع وبمثابة اختراق حكومي ناجح للأزمة .. فالحرب لاتسعد الا تجار السلاح ، ولذلك ليس هناك خلاف بين الناس بأن ما حدث بالدوحة يصب في استقرار دارفور ، وبالتالي يساهم في استقرار السودان .. هذا من حيث المبدأ العام المحب للسلام وبغض النظر عن النتائج والثمرات ، علما بأن نتائج الحصاد وثمراته لم تعد خافية حتى على أحد في بلادي ، بحيث كفة الحكومة هي الراجحة سياسيا ، وأن العدل والمساواة لم تخرج من مولد الأزمة بغير منصب هنا وآخر هناك وثالث بين هذا وذاك ، وهكذا حالهم كما حال الذين سبقوهم في أبوجا ، وكأن الغاية من كل مآسي الحرب كانت هي تلك النتائج التي لا تتناسب مع شعارات التهميش والديمقراطية والحريات وغيرها من الثياب المزركشة التي ترتديها نخبنا السياسية لزوم « خم القواعد » .. علي كل ، فلندع الحصاد ، ونحدق مليا في حديث المؤتمر الشعبي ، وكما تعلمون بأن ذاك الحصاد من هذا الحديث .. !!
** لم يكن مدهشا أن يبارك المؤتمر الشعبي جهرا وبلا أي تحفظ اتفاقية الدوحة ، كأول مباركة جهيرة يبديها الشعبي في تاريخ الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة مع الحركات .. ولم ينس أو تناسى ، يجب التذكير بأن موقف الشعبي من أبوجا يختلف عن موقفه من الدوحة ، فالتأييد بحماس يتجلى في الموقف الآخير .. نعم ، قوى المعارضة مؤيدة لهذا الاتفاق ، ولكن ليس بذات حماس الشعبي .. وهنا يطل سؤال حائر عن سر هذا الحماس ..؟.. الله أعلم ، ربما الشعبي « بقى موضوعي » .. ولكن بفهم ذاك الزميل .. !!
** وليس بعيدا عن ذاك الفهم ، حدق في ملامح التصريحات الأخيرة للشعبي .. حيث حذر الدكتور الترابي ، البارحة بو دراوة ، المؤتمر الوطني من مصير الاتحاد الاشتراكي ، ثم قال نصا : « أصبحنا نخشى عليه بعد أن فارق مبادئ الحركة الاسلامية .. أخشى عليكم من مصير الاتحاد الاشتراكي .. عمود النص اذا أزيل فلن تبقى فيكم باقية » .. هكذا تحدث ، فتأمل هذه اللغة « المشفقة والناصحة » ، وأغرب ما فيها أن الناصح بها هو الشعبي .. يجب الابقاء على عمود النصف حتى لاينهار المبنى ، ويصبح حالكم كما حال الاتحاد الاشتراكي ، وهذا ما أخشاه لكم ، هكذا يقدم الشعبي النصائح الغالية للوطني ، وهى من النصائح التي لن يجدها الوطني حتى من « أقرب الأحزاب الموالية معه » .. وهنا نسأل ، ما سر النصائح التي حلت – فجأة كدة – محل التهكم والسخرية والشماتة ..؟.. الله أعلم ، ربما الشعبي « بقى موضوعي » .. ثم ، قبل كم يوم ، قدم الشعبي مقترحا بتشكيل حكومة قومية تشرف على الانتخابات ، مع الابقاء على «الرأس » أو« بالرأس والكتفين » .. أي هناك ثوابت في مقترح الحكومة القومية ، الرئيس أو الرئيس ونائبيه .. هذه الثوابت أيضا بمثابة لغة جديدة لم يكن يتحدثها الشعبي سابقا ..؟.. فما سر هذه اللغة ..؟… الله أعلم ، ربما الشعبي « بقى موضوعي » .. ولكن بفهم ذاك الزميل …!!

اليكم ..الصحافة-العدد 5970
tahersati@hotmail.com