الطاهر ساتي

قضية عادلة في ثياب ظالمة

[ALIGN=CENTER]قضية عادلة في ثياب ظالمة [/ALIGN] قديما ..كان يضرب واقع الناس في الحياة مثلا رائعا ، نصه : إذا أردت تعطيل عمل ما ، فشكل له لجنة.. وهو مثل نابع من وحى تجارب أثبتت بأن اللجان في بلادي هي الوسيلة المثلى لتلجين الأفكار وتعطيل العقول والسواعد ، بل هي من وسائل التخدير أيضا .. أي ، إذا أرادت جهة ما خداع فئة ما، ذات مطالب وقضايا ، فإنها لاترفض تلك المطالب والقضايا ، ولكنها تتقبلها ، وأحيانا بالتهليل والتكبير ، ثم تنصح المطالبين بتشكيل لجنة لدراسة المطالب والقضايا ، ثم جدولتها ، بحيث تحل عاجلا .. وقبول أصحاب المطالب لتلك اللجنة هو بداية الطريق الذي تسلكه مطالبهم لتحلق ب ( أمات طه ) .. وطبعا للحكومة عبقرية فذة في السيطرة على اللجان التي تشكل لحل قضايا الناس ، وكثيرة هي القضايا التي تصدى لها البعض بحماس وشجاعة ، ثم ماتت قبل أن تجد حلولا، لأن الحكومة نجحت في السيطرة على ذاك البعض بعد تلجينهم ب ( لجان ) .. ولهذا إهتزت ثقة الناس في كل أنواع اللجان ، وتلك الثقة المهزوزة هي : ذاك المثل القديم ..!!
** أما حديثا .. هناك آفة أخرى حلت محل اللجان ، لتمارس مهمة تعطيل الأعمال وتلجين الأفكار وتدمير قضايا الناس وهي في مهدها ، وهي الآفة المسماة – سياسيا – ب ( الأجندة الحزبية ) .. أي ، صار المثل الذي يضرب في واقع الناس اليوم ، مثلا نصه : إذا أردت قتل قضيتك و إفساد محتواها ، فسلمها لأجندة حزب سياسي ، لتتبناها إنابة عنك .. هكذا الحال ، حيث ما دخلت تلك الأجندة في دهاليز قضية ما إلا أفسدتها .. حتى ولو شهد كل أهل الأرض بعدالة تلك القضية ، فإن أنوف الأحزاب التي تحشرت في تفاصيلها ، تفسدها وتجردها من محتواها ، بحيث تظهر لأنظار الدنيا والعالمين بأنها قضية ( غير عادلة ) .. والمؤسف في الأمر ، أن صاحب القضية العادلة لايلجأ للأحزاب ، بل الأحزاب هي التي تترصد الصاحب ، لتخطف منه قضيته ، بقصد الإفساد وليس لحلها .. وكأن الأحزاب في بلدي ، من أقصى اليمين وإلي ما بعد اليسار ، الحاكمة منها والمعارضة ، ما خلقت إلا لتعكير صفو ..( القضايا العادلة ) ..!!
** هل أريكم نموذجا ماثلا أمام الرأى العام حاليا ..؟.. حسنا .. فلنحدق في قضية الأطباء .. قضيتهم عادلة ، مافي ذلك شك ، ومطالبهم مشروعة ، ولاينكر ذلك إلا من يعيش بضمير غير سليم ..تظلموا تظلما جماعيا ورفعوا تظلمهم لمن يهمهم أمر رفع الظلم عن كاهل المظلومين ، ثم سلكوا درب الوسائل المشروعة في التعبير عن تظلمهم ، إعتصاما كان أو إضرابا ، ليسمعهم الرأى العام ومن يهمهم الأمر أيضا .. كل هذا شئ طبيعي ، ويحدث في ( أرقى الدول ) .. وما من أرض إلا وعليها ظالم ومتظلم ووسيلة تعبير يسترد بها المظلوم حقه ، أو هكذا ( حال الدنيا ) .. ولكن الحال في السودان ، يختلف عن حال كل الدنيا ، لأن أجندة القوى السياسية لاتدع المظلوم في حاله ، بحيث يقاتل وحده ليسترد حقوقه ، ولا تساعده بموقف إيجابي يساهم على إسترداد تلك الحقوق ، بل تتدخل تدخلا سافرا وسلبيا يبعد عنه حقوقه ، بل يهدرها أحيانا .. وهذا – بالضبط – ما يحدث لحقوق الأطباء .. أي ، بعد أن كانوا على قلب رجل واحد ، تفرقت بهم السبل الحزبية ، بحيث بعضهم يهاجم الوزيرة والوكيل ونهج الوزارة ، والبعض الآخر يناصر ذات الوزيرة وذات الوكيل وذات النهج الوزاري .. !!
** هكذا حالهم ، فريق متظلم ضد فريق متظلم أيضا .. أحدهم يهاجم الوزارة بالبيان تلو البيان ، والآخر يدافع عنها بالتهليل والتكبير و ( وييييي ) .. والسبب : المطالب تسربت من أيدي أصحابها إلي نفوس الأحزاب ( الحاكمة والمعارضة ) .. والمدهش أن المطالب التي كانت معروفة للجميع قبل أسابيع ، لم تعد معروفة لأحد منذ أول البارحة .. بمعنى ، الأجندة الحزبية – الحاكمة والمعارضة – نجحت في طمس معالم المطالب .. ولم نعد نعرف هل المطالب هي تحسين بيئة العمل وشروط الخدمة ، كما قالت لجنة النواب بالبارحة ، أم هي إقالة تابيتا بطرس لأنها ممرضة ، أوكما تقول لجنة الإضراب اليوم ..؟.. تأمل التغيير الذي حدث لإسم اللجنة بين ليلة وضحاها – كانت لجنة نواب ، فصارت لجنة إضراب – ثم تأمل الغاية التي تبدلت من تحسين بيئة العمل والراتب إلي إقالة تابيتا ، لا لأنها لم تحسن ذاك وتلك ، بل لأنها ممرضة .. الأجندة الحزبية المعارضة هي التي حلت محل مطالب الأطباء العادلة ، فأحدثت فيها هذا ( التشويه ) .. ثم الأجندة الحزبية الحاكمة هي التي حلت محل ذات المطالب العادلة ، فحولت تابيتا ، بالدفاع عنها ومناصرتها ، إلي ( مظلومة ) .. هكذا حال قضية الأطباء اليوم .. عفوا ، لم تعد قضية للأطباء ، لقد خطفتها أجندة القوى الحاكمة والمعارضة ، ولذلك يجب أن نقترح للأطباء إخراج قضيتهم من براثن تلك الأجندة النتنة ، وتنقيتها وتنظيفها ، ثم إعادة تقديمها للرأى العام بثوب جديد .. فالرأى العام ليس ساذجا ليناصر الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي ضد المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ، وكذلك ليس غبيا ليناصر المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ضد الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي ، أوهكذا ( لون وطعم ورائحة القضية ) .. وعليه ، أكرر : قضيتكم عادلة ، سادتي الأطباء ، ولكنها بحاجة إلي عملية جراحية عاجلة ، تستأصل تلك ..( الآفات ) .. !!

اليكم ..الصحافة-العدد 5981
tahersati@hotmail.com

تعليق واحد

  1. استاذ الطاهر
    لك الشكر لاقرارك بحق الاطباء في وقت نكره عليهم كثر.
    لجنة النواب (الاضراب) لم تتطالب باستقالة السيدة الوزيرة لانها ممرضة فقط كما اشرت بل نتيجة لسياستها الادارية وهذا حق مشروع في كل دول العالم من يفشل يستبعد اذا لم يبعد نفسه بنفسه.
    لماذا لم يتطرق احد الى كونها سستر طيلة السنوات الماضية؟حين اصبحت السستر مدير طبي الحوادث!!!!!!!!!!!!!!!!في بعض المستشفيات لم يتطرق لهذا الموضوع احد علما بان السستر درجة علمية اقل من الطبيب!لكن حين اتهمت الاطباء بالااخلاقية والاخلال بالقسم الطبي وجب لفت انتباهها لهذه النقطة.قسم الطبيب يخص الطبيب
    لايمكن ان تتجاوز الدرجات الادارية العلمية…اعط كل ذي حق حقه لجنة النواب او الاضراب كما يحلو لهم ان يسموا انفسهم لم يكن هدفهم الوزيرة في بادئ الامر انما لكل فعل رد فعل مساوي في المقدار مضاد في الاتجاه..فليحاسب كل قائل بمايقول.
    زي مابيقولوا اهلنا ربنا يهدي النفوس ويجيب اخرتها على خير.