الطاهر ساتي
انتبهوا … كرة الأزمة تتدحرج
** المهم .. الدوش ، في تلك القصيدة ، يشرح كيف يبدأ الحدث في بلادي ، وكيف ينتهي .. أي حدث ، وليس الحفل فقط .. ثم يحدد – برمزية الصنم والكرباج والصبي والسيف – العوامل التي تفسد نهايات كل البدايات .. وما لم أكن مخطئا في التحديق والتحليل ، فان من تلك العوامل التي تفسد مسار الأشياء في بلادي هي : السياسة وأجندة الساسة .. وكما قلت أول البارحة في قضية الأطباء ، ما دخلت أجندة الساسة في أمر من أمور ناس البلد الا و أفسدوها.. هم كما الصنم الوارد في قصيدة الدوش ، بحيث يفسدون الحفل ب « كرباجهم » .. وكما الصبي المذكور في ذات القصيدة أيضا .. وكما الهبباي التي تحل محل الدوباي في فرح الناس .. هكذا الساسة – وأجندة قواهم السياسية – في بلادي .. ولهذا ، لم يكن مدهشا ، أن يأخذ حفل الأطباء مسارا غير طبيعي ، بحيث بدأ بطلب فحواه : « دايرين متأخراتنا » .. ولكنه اليوم يقف عند : مفترق طرق .. أو هكذا نصف الأزمة حين « تتأزم » ..!!
** نعم ، تأزمت قضية الأطباء .. فالتوجيه الرئاسي بفصل الأطباء المضربين عن العمل ، ليس حلا للأزمة ، بل هو : بداية أزمة أخرى ، أي تأزيم للأزمة .. وما كان لتلك الأزمة أن تتأزم ، ولكن نهجا غريبا في وزارة الصحة أراد لبداية تلك القضية ، هذه : النهاية .. نهج وزاري فريد من نوعه ، لايختلف كثيرا عما جاء في قصيدة الدوش من وصف وموصوف ، أي الصنم والكرباج ثم الصبي والسيف ، وغيرهم من « مفسدات الأشياء » .. فالنهج الوزاري القابع في تلك الوزارة ، هو الذي رسم لتلك القضية هذه النهايات .. لم يتعامل مع المطالب بجدية ، ولكنه تجاهلها ، حتى تراكمت بعضها فوق بعض ، وتوالدت في ثناياها أجندة قوى سياسية ، حاكمة ومعارضة .. !!
** البداية كانت ، قبل ثلاثة أشهر تقريبا ، بطلب بسيط فحواه : دايرين بدل التدريب .. فوعدتهم الوزارة بالدفع في أول مارس ، ولكن بعد شهرين من الشد والجذب ، ومع ذلك لم تلتزم .. فأضربوا ، فأستجابت الوزارة لذاك الطلب ، مكرهة لا طوعا واختيارا ، كما تنص اللوائح .. فرفعوا – وهم مضربون – مطالب أخرى ليست بسيطة ، فحواها : تحسين رواتب نواب الاختصاصيين ، فورا ، ثم تحسين بيئة العمل ، فورا أيضا ، وكذلك اقالة الوزيرة لأنها ممرضة ، فورا أيضا .. فاحتارت الوزارة ، ولاتزال في حيرة من أمرها ، اذ كيف نحسن رواتب هؤلاء ثم ندع رواتب غيرهم في بؤسها وضعفها ؟.. ثم ، كيف يتم التحسين بعيدا وبمعزل عن الموازنة العامة ، بين ليلة وضحاها ..؟.. ثم ، لماذا لم تبدأ القضية بتحسين الراتب وبيئة العمل واقالة الوزيرة ، بدلا عن بدل التدريب الذي بدأت منه ..؟.. أي ، لماذا تحولت شرارة بدل التدريب – بين ليلة وضحاها – الي جهنم « تحسين الراتب وبيئة العمل واقالة الوزيرة » ..؟.. كيف تم اكتشاف هذا الثالوث الذي لم يكن مكتشفا عند « بداية الحفل » ..؟.. أوهكذا تتساءل وزارة الصحة ، فالتساؤل مشروع ، ما في ذلك شك .. ولكن ما ليس مشروعا هو جهل الوزارة بأن طرائق تفكيرها سلحفائية .. نعم ، نهج التلكؤ في ادارة « أزمة بدل التدريب » ، هو الذي جاء بذاك الثالوث « الراتب وبيئة العمل والاقالة » .. فالنهج الوزاري لم يكن يعلم بأن كرة الثلج تكبر وتتضخم بالتدحرج .. نعم ، تركت قضية بدل التدريب تتدحرج ، فتدحرجت ، بحيث صارت « أزمة » .. والمؤسف ، أن كرة الأزمة تواصل التدحرج .. فصل الأطباء بمثابة تدحرج يساهم في تضخيم « كرة الأزمة » .. انتبهوا ، فالوطن مثخن بألف جرح و جرح …!!
اليكم ..الصحافة-العدد 5992
tahersati@hotmail.com