تعلية خزان الروصيرص تفعيل للطاقات السودانية
ولكن كيفما كانت المفردة تحمل من معاني ، فأن أعمق ماتعنيه لكل سوداني حريص على بناء وطنه هو الاستفادة القصوى من كل يملك السودان من طاقات بشرية وزراعية وكهرومائية فضلا عن الاستفادة من حقوق ظلت مهدورة طوال سنوات مضت بالاضافة الى الكثير من العوامل الاخرى التي تدفع مسيرة النمو والتطور دفعا نحو الامام
فعلى مستوى الطاقات البشرية فقد برهنت خطوة الوصول الى مرحلة وضع حجر الأساس على خصوصية ما لدى السودان من طاقات وقدرات تفاوضية تمكنت من الحصول على تمويل المشروع الذي ظل حلما منذ الستينات ، فقد تم التوقيع مؤخرا وخلال فترات متقاربة جدا على قروض التمويل التي بينها قرض بحوالي 80 مليون دولار من بنك التنمية الاسلامي وقرض بمبلغ 30 مليون دولار من صندوق اوبك للتنمية الدولية الذي يعرف اختصارا باسم ” أفيد ” وآخر من الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بالاضافة الى مؤسسات تمويل سعودية وكويتية واماراتية وغيرها من المؤسسات المالية ذات العلاقة بالمشروع ، حيث يعتبر هذا النجاح في الحصول على التمويل في فترة قصيرة بمثابة تاج على رؤوس الاشهاد من ابناء الشعب السوداني
وعلى المستوى نفسه فان تعلية خزان الروصيرص ستؤدي الى تفعيل اقوى لطاقات قطاع عريض من ابناء المنطقة ذلك القطاع من القوى البشرية الخلاقة التي ظلت بسواعدها الفتية تطعم السودان في احلك ظروف الجفاف من خلال ما تنتجه من محصول “العيش” بالاضافة الى الحبوب الزيتية كالسمسم وزهرة الشمس والقوار وبذرة القطن تلك المحاصيل التي عمل فيها ابناء النيل الازرق كاصحاب مشاريع وايدي عاملة نشطة وهميمة
وبهذه التعلية تتسع مساحات اسهاماتهم ليعود الخير عليهم وعلى السودان كافة من خلال مايوفره الخزان من قدرات لري مساحات اوسع يستثمرونها بمختلف صيغ الاستثمار
مستفيدين ايضا من تحويل بعض الاثار السلبية لعمليات التنمية الى اثار ايجابية ، خصوصا وان عمليات الاغراق الضرورية سوف تسهم في اقامة مجتمعات سكنية مخططة ذات خدمات ستكون باي حال من الأحوال افضل مما عليه الحال الآن ، ذلك الحال المتأثر بما كان يسود السودان في جميع ارجائه من نقص في اهم الخدمات الضرورية التي يحتاجها الانسان حتى وقت قريب
اما الطاقات الزراعية فقد اكد المختصون بان تعلية خزان الروصيرص ستضيف الى السودان اكثر من ثلاثة ملايين من الأفدنة الزراعية في وقت يتطلع فيه العالم الى تفجير طاقات السودان الزراعية باعتباره سلة غذاء العالم ، فضلا عن ما سينجم عن ذلك من رفع مستوى المعيشة للسكان المحيطين بهذه المساحات فتسود حالة من الاستقرار والتنمية العمرانية التي تصاحب عادة التنمية الزراعية
كما ستسهم التعلية ايضا في ازدهار قطاع “الجنائن” على امتداد شريط النيل الأزرق ، ذلك القطاع الذي عانى كثيرا من مرارات فيضانات النيل الأزرق الذي ” يكسر ” كما يقول اصحاب الجنائن ويتلف المزروعات خصوصا اشجار الموز التي لا تحتمل الاغراق وهو من المحاصيل النقدية ذات العائد المادي المجزي لقطاع الجنائن في النيل الأزرق
فبشرى لأصحاب الجنائن فان التعلية ستمكنهم من الاستثمار باطمئنان والاستفادة من مساحاتهم التي كثيرا ما تظل “بورا” بدون زراعة لسنوات طويلة رغم انها على مرمى حجر من النيل ، ولكن بسبب الفيضان المحتوم الذي لم يكن الخزان قادرا على قهره يحجم اصحاب الجنائن من زراعة تلك المساحات
ولكن يبد و انه حان الوقت ليتغير ذلك الوجه وتستقر اوضاعهم ويسهموا في زيادة الصادر من الفاكهة والخضروات دون خوف من خسائر على الأقل بسبب النيل
كما ستتيح تعلية خزان الروصيرص للسودان فرصا اخرى للاستفادة من”الاطماء ” الذي ظل يشكل حتى الآن اشكالية كبرى في منطقة الخزان معطلا توربينات التوليد ، غير ان المنجرف منه عبر تيارات النهر يتراكم على اراضي الجنائن الغرقى موفرا لها تربة خصبة لكنها تأتي اليهم بعد خراب المحصول الذي صرفوا عليه الكثير
اما الفائدة التي يمكن جنيها من هذا الاطماء فهو امكانية تصديره كما تفعل بعض الدول الأسيوية كالهند التي تصدر تربة طينية مصدرها الانهار معبأة في جوالات بملايين الدولارات الى دول الخليج وكثير من دول العالم
بل يمكن للسودان ان يستفيد من مخلفات “الاطماء ” الذي ستزيد كمياته بعد التعلية لاستصلاح بعض الاراضي الطينية الصرفة وبهذا تمتد خيرات النيل حتى الى الاراضي البعيدة عنه
اما الطاقة الكهرومائية ، فيشهد لخزان الروصيرص الحالي رغم تواضع انتاجه من الطاقة ، باسهاماته الهامة في توفير الطاقة الكهربائية مع غيره من محطات التوليد المائية الاخرى في سنار وغيرها بالاضافة الى بعض محطات التوليد الحراري المنتشرة في مواقع متفرقة في السودان ، وبهذه التعلية سيزيد مستوى مساهمة خزان الروصيرص الى جانب سد مروي المتوقع اسهاماته الفاعلة في هذا المجال
لذلك يتوقع ان يزداد انتاج خزان الروصيرص من الطاقة الكهرومائية بمئات الميجاواط ساعة بشكل سنوي مما يساعد على توفير الطاقة الكهربائية التي ستدفع عمليات التنمية في منطقة النيل الازرق وتضاء المدارس والخلاوي والمستشفيات وتدار المصانع وتنار القرى والمجمعات السكنية وينسى الناس هاجس القطوعات الكهربائية المتكررة التي كثيرا ما تسبب الخسائر حتى على مستوى الارواح خصوصا في المستشفيات الريفية
فضلا عن ان توفير الكهرباء سيسهم في ازدهار الصناعات التحويلية في النيل الازرق والصناعات المتنوعة في السودان بمختلف بقاعه حيث تزيد منعة الشبكة القومية لكهرباء السودان
اما الاستفادة من الطاقات والحقوق الاخرى التي ظلت مهملة ومهدورة فان تعلية خزان الروصيرص ستساعد السودان على استثمار بعض آخر من حصته في مياه النيل تلك الحصة التي حددتها اتفاقية مياه النيل الموقعة منذ مائة عام تقريبا حيث ظل الكثير من تلك الحصة السودان مهدرا طوعا دون الاستفادة منه ، لدرجة يندهش فيها المرء عندما يتعرض السودان لمجاعات بسبب الجفاف وهو البلد الذي يمر عبره النيل بكل فروعه من اقصى جنوبه الى اقصى شماله فضلا عن بعض اجزاء شرقه !
اما الجوانب الاخرى التي يمكن ان يجنيها السودان من تعلية خزان الروصيرص تتمثل فى ان هذه الخطوة تشكل ردا صريحا وواضحا لكل من يتربص بقدرات السودان ووحدته ، ذلك الرد مفاده بان محاولات إلهاء السودان عن مسيرة التنمية ببعض المؤامرات لن تجد لها طريقا الى النجاح ، وان الشعب السوداني بكافة قطاعاته ماض في مسيرة التنمية في كافة ارجائه ومن اجل جميع ابنائه
سونا [/ALIGN]