الطب النبوي

الأدوية والأغذية التي وردت في الطب النبوي – القائمة الرابعة


طيب : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ” .

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التطيب ، وتشتد عليه الرائحة الكريهة ، وتشق عليه ، والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى تتضاعف وتزيد بالطيب ، كما تزيد بالغذاء والشراب ، والدعة والسرور ، ومعاشرة الأحبة ، وحدوث الأمور المحبوبة ، وغيبة من تسر غيبته ، ويثقل على الروح مشاهدته ، كالثقلاء والبغضاء ، فإن معاشرتهم توهن القوى ، وتجلب الهم والغم ، وهي للروح بمنزلة الحمى للبدن ، وبمنزلة الرائحة الكريهة ، ولهذا كان مما حبب الله سبحانه الصحابة بنهيهم عن التخلق بهذا الخلق في معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأذيه بذلك ، فقال ” إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ” [ الأحزاب ] .

والمقصود أن الطيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله تأثير في حفظ الصحة ، ودفع كثير من الآلام ، وأسبابها بسبب قوة الطبيعة به .

طين

ورد في أحاديث موضوعة لا يصح منها شئ مثل حديث ” من أكل الطين ، فقد أعان على قتل نفسه ” ومثل حديث ” يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يعصم البطن ، ويصفر اللون ، ويذهب بهاء الوجه ” .

وكل حديث في الطين فإنه لا يصح ، ولا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه رديء مؤذ ، يسد مجاري العروق ، وهو بارد يابس ، قوي التجفيف ، ويمنع استطلاق البطن ، ويوجب نفث الدم وقروح الفم .

طلح

قال تعالى ” وطلح منضود ” [ الواقعة ] ، قال أكثر المفسرين ، هو الموز . والمنضود هو الذي قد نضد بعضه على بعض ، كالمشط . وقيل الطلح الشجر ذو الشوك ، نضد مكان كل شوكة ثمرة ، فثمره قد نضد بعضه إلى بعض ، فهو مثل الموز ، وهذا القول أصح ، ويكون من ذكر الموز من السلف أراد التمثيل لا التخصيص والله أعلم .

وهو حار رطب ، أجوده النضيج الحلو ، ينفع من خشونة الصدر والرئة والسعال ، وقروح الكليتين ، والمثانة ، ويدر البول ، ويزيد في المني ، ويحرك الشهوة للجماع ، ويلين البطن ، ويؤكل قبل الطعام ، ويضر المعدة ، ويزيد في الصفراء والبلغم ، ودفع ضرره بالسكر أو العسل .

طلع

قال تعالى” والنخل باسقات لها طلع نضيد ” [ ق ] وقال تعالى ” ونخل طلعها هضيم ” [ الشعراء ].

طلع النخل ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره ، وقشره يسمى الكفرى ، والنضيد المنضود الذي قد نضد بعضه على بعض ، وإنما يقال له نضيد ما دام في كفراه ، فإذا انفتح فليس بنضيد .

وأما الهضيم فهو المنضم بعضه إلى بعض ، فهو كالنضيد أيضاً ، وذلك يكون قبل تشقق الكفرى منه .

والطلع نوعان ذكر وأنثى ، والتلقيح هو أن يؤخذ من الذكر ، وهو مثل دقيق الحنطة ، فيجعل في الأنثى ، وهو التأبير ، فيكون ذلك بمنزلة اللقاح بين الذكر والأنثى ، وقد روى مسلم في صحيحه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل ، فرأى قوماً يلقحون ، فقال ” ما يصنع هؤلاء ؟ قالوا يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى ، قال ما أظن ذلك يغني شيئاً ، فبلغهم ، فتركوه ، فلم يصلح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو ظن ، فإن كان يغني شيئاً ، فاصنعوه ، فإنما أنا بشر مثلكم ، وإن الظن يخطئ ويصيب ، ولكن ما قلت لكم عن الله عز وجل . فلن أكذب على الله ” . انتهى .

طلع النخل ينفع من الباه ، ويزيد في المباضعة ، ودقيق طلعه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة ، وهو في البرودة واليبوسة في الدرجة الثانية ، يقوي المعدة ويجففها ، ويسكن ثائرة الدم مع غلظة وبطء هضم .

ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحارة ، ومن أكثر منه فإنه ينبغي أن يأخذ عليه شيئاً من الجوارشات الحارة ، وهو يعقل الطبع ، ويقوي الأحشاء ، والجمار يجري مجراه ، وكذلك البلح ، والبسر ، والإكثار منه يضر بالمعدة والصدر ، وربما أورث القولنج ، وإصلاحه بالسمن ، أو بما تقدم ذكره .

حرف العين
عنب

في الغيلانيات من حديث حبيب بن يسار ، ع”ن ابن عباس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطاً “. قال أبو جعفر العقيلي لا أصل لهذا الحديث ، قلت وفيه داود ابن عبد الجبار أبو سليم الكوفي ، قال يحيى بن معين كان يكذب .

ويذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب العنب والبطيخ .

وقد ذكر الله سبحانه العنب في ستة مواضع من كتابه في جملة نعمه التي أنعم بها على عباده في هذه الدار وفي الجنة ، وهو من أفضل الفواكه وأكثرها منافع ، وهو يؤكل رطباً ويابساً ، وأخضر ويانعاً ، وهو فاكهة مع الفواكه ، وقوت مع الأقوات ، وأدم مع الإدام ، ودواء مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ، وطبعه طبع الحبات الحرارة والرطوبة ، وجيده الكبار المائي ، والأبيض أحمد من الأسود إذا تساويا في الحلاوة ، والمتروك بعد قطفه يومين أو ثلاثة أحمد من المقطوف في يومه ، فإنه منفخ مطلق للبطن ، والمعلق حتى يضمر قشره جيد للغذاء ، مقو للبدن ، وغذاؤه كغذاء التين والزبيب ، وإذا ألقي عجم العنب كان أكثر تلييناً للطبيعة ، والإكثار منه مصدع للرأس ، ودفع مضرته بالرمان المز .

ومنفعة العنب يسهل الطبع ، ويسمن ، ويغذو جيده غذاء حسناً ، وهو أحد الفواكه الثلاث التي هي ملوك الفواكه ، هو والرطب والتين .

عسل

قد تقدم ذكر منافعه . قال ابن جريج قال الزهري عليك بالعسل ، فإنه جيد للحفظ ، وأجوده أصفاه وأبيضه ، وألينه حدة ، وأصدقه حلاوة ، وما يؤخذ من الجبال والشجر له فضل على ما يؤخذ من الخلايا ، وهو بحسب مرعى نحله .

عجوة

في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ” .

وفي سنن النسائي وابن ماجه من حديث جابر ، وأبي سعيد رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ” العجوة من الجنة ، وهي شفاء من السم ، والكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين ” .

وقد قيل إن هذا في عجوة المدينة ، وفي أحد أصناف التمر بها ، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق ، وهو صنف كريم ، ملذذ ، متين للجسم والقوة ، من ألين التمر وأطيبه وألذه ، وقد تقدم ذكر التمر وطبعه ومنافعه في حرف التاء ، والكلام على دفع العجوة للسم والسحر ، فلا حاجة لإعادته .

عنبر

تقدم في الصحيحين من حديث جابر ، في قصة أبي عبيدة وأكلهم من العنبر شهراً ، وأنهم تزودوا لحمه وشائق إلى المدينة ، وأرسلوا منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أحد ما يدل على أن إباحة ما في البحر لا يختص بالسمك ، وعلى أن ميتته حلال ، واعترض على ذلك بأن البحر ألقاه حياً ، ثم جزر عنه الماء ، فمات ، وهذا حلال ، فإن موته بسبب مفارقته للماء، وهذا لا يصح ، فإنهم إنما وجدوه ميتاً بالساحل ، ولم يشاهدوه قد خرج عنه حياً ، ثم جزر عنه الماء .

وأيضاً فلو كان حياً لما ألقاه البحر إلى ساحله ، فإنه من المعلوم أن البحر إنما يقذف إلى ساحله الميت من حيواناته لا الحي منها .

وأيضاً فلو قدر احتمال ما ذكروه لم يجز أن يكون شرطاً في الإباحة ، فإنه لا يباح الشئ مع الشك في سبب إباحته ، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الصيد إذا وجده الصائد غريقاً في الماء للشك في سبب موته ، هل هو الآلة أم الماء ؟ .

وأما العنبر الذي هو أحد أنواع الطيب ، فهو من أفخر أنواعه بعد المسك ، وأخطأ من قدمه على المسك ، وجعله سيد أنواع الطيب ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسك ” هو أطيب الطيب ” ، وسيأتي إن شاء إلله تعالى ذكر الخصائص والمنافع التي خص بها المسك ، حتى إنه طيب الجنة ، والكثبان التي هي مقاعد الصديقين هناك من مسك لا من عنبر .

والذي غير هذا القائل أنه لا يدخله التغير على طول الزمان ، فهو كالذهب ، وهذا يدل على أنه أفضل من المسك ، فإنه بهذه الخاصية الواحدة لا يقاوم ما في المسك من الخواص .

وبعد فضروبه كثيرة ، وألوانه مختلفة ، فمنه الأبيض ، والأشهب ، والأحمر ، والأصفر ، والأخضر ، والأزرق ، والأسود ، وذو الألوان وأجوده الأشهب ، ثم الأزرق ، ثم الأصفر ، وأردؤه الأسود . وقد اختلف الناس في عنصره ، فقالت طائفة هو نبات ينبت في قعر البحر ، فيبتلعه بعض دوابه ، فإذا ثملت منه قذفته رجيعاً ، فيقذفه البحر إلى ساحله . وقيل طل ينزل من السماء في جزائر البحر ، فتلقيه الأمواج إلى الساحل ، وقيل روث دابة بحرية تشبه البقرة . وقيل بل هو جفاء من جفاء البحر ، أي زبد .

وقال صاحب القانون هو فيما يظن ينبع من عين في البحر ، والذي يقال إنه زبد البحر ، أو روث دابة بعيد انتهى .

ومزاجه حار يابس ، مقو للقلب ، والدماغ ، والحواس ، وأعضاء البدن ، نافع من الفالج واللقوة ، والأمراض البلغمية ، وأوجاع المعدة الباردة ، والرياح الغليظة ، ومن السدد إذا شرب ، أو طلي به من خارج ، وإذا تبخر به ، نفع من الزكام والصداع ، والشقيقة الباردة .

عود

العود الهندي نوعان ، أحدهما يستعمل في الأدوية وهو الكست ، ويقال له القسط ، وسيأتي في حرف القاف . الثاني يستعمل في الطيب ، ويقال له الألوة . وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان يستجمر بالألوة غير مطراة ، وبكافور يطرح معها ، ويقول هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجنة ” مجامرهم الألوة ” والمجامر جمع مجمر وهو ما يتجمر به من عود وغيره ، وهو أنواع أجودها الهندي ، ثم الصيني ، ثم القماري ، ثم المندلي ، وأجوده الأسود والأزرق الصلب الرزين الدسم ، وأقله جودة ما خف وطفا على الماء ، ويقال إنه شجر يقطع ويدفن في الأرض سنة ، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع ، ويبقى عود الطيب ، لا تعمل فيه الأرض شيئاً ، ويتعفن منه قشره وما لا طيب فيه .

وهو حار يابس في الثالثة ، يفتح السدد ، ويكسر الرياح ، ويذهب بفضل الرطوبة ، ويقوي الأحشاء والقلب ويفرحه ، وينفع الدماغ، ويقوي الحواس ، ويحبس البطن ، وينفع من سلس البول الحادث عن برد المثانة .

قال ابن سمجون العود ضروب كثيرة يجمعها اسم الألوة ، ويستعمل من داخل وخارج ، ويتجمر به مفرداً ومع غيره ، وفي الخلط للكافور به عند التجمير معنى طبي ، وهو إصلاح كل منهما بالآخر ، وفي التجمر مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه ، فإنه أحد الأشياء الستة الضرورية التى في صلاحها صلاح الأبدان .

عدس

قد ورد في أحاديث كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يقل شيئاً منها ، كحديث ” إنه قدس على لسان سبعين نبياً ” وحديث ” إنه يرق القلب ، ويغزر الدمعة ، وإنه مأكول الصالحين ” ، وأرفع شئ جاء فيه ، وأصحه أنه شهوة اليهود التي قدموها على المن والسلوى ، وهو قرين الثوم والبصل في الذكر .

وطبعه طبع المؤنث ، بارد يابس ، وفيه قوتان متضادتان . إحداهما يعقل الطبيعة . والأخرى يطلق ، وقشره حار يابس في الثالثة ، حريف مطلق للبطن ، وترياقه في قشره ، ولهذا كان صحاحه أنفع من مطحونه ، وأخف على المعدة ، وأقل ضرراً ، فإن لبه بطيء الهضم لبرودته ويبوسته ، وهو مولد للسوداء ، ويضر بالماليخوليا ضرراً بيناً ، ويضر بالأعصاب والبصر .

وهو غليظ الدم ، وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء ، وإكثارهم منه يولد لهم أدواء رديئة ، كالوسواس والجذام ، وحمى الربع ، ويقلل ضرره السلق والإسفاناخ ، واكثار الدهن . وأردأ ما أكل بالنمكسود وليتجنب خلط الحلاوة به ، فإنه يورث سدداً كبدية ، وإدمانه يظلم البصر لشدة تجفيفه ، ويعسر البول ، ويوجب الأورام الباردة ، والرياح الغليظة . وأجوده الأبيض السمين ، السريع النضج .

وأما ما يظنه الجهال أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه ، فكذب مفترى ، وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشواء ، وهو العجل الحنيذ .

وذكر البيهقي ، عن إسحاق قال سئل ابن المبارك عن الحديث الذي جاء في العدس ، أنه قدس على لسان سبعين نبياً ، فقال ولا على لسان نبي واحد ، وإنه لمؤذ منفخ ، من حدثكم به ؟ قالوا سلم بن سالم ، فقال عمن ؟ قالوا عنك . قال وعني أيضاً !!؟ .

حرف الغين
غيث

مذكور في القرآن في عدة مواضع ، وهو لذيذ الإسم على السمع ، والمسمى على الروح والبدن ، تبتهج الأسماع بذكره ، والقلوب بوروده ، وماؤه أفضل المياه ، وألطفها وأنفعها وأعظمها بركة ، ولا سيما إذا كان من سحاب راعد ، واجتمع في مستنقعات الجبال ، وهو أرطب من سائر المياه ، لأنه لم تطل مدته على الأرض ، فيكتسب من يبوستها ، ولم يخالطه جوهر يابس ، ولذلك يتغير ويتعفن سريعاً للطافته وسرعة انفعاله ، وهل الغيث الربيعي ألطف من الشتوي أو بالعكس ؟ فيه قولان .

قال من رجح الغيث الشتوي حرارة الشمس تكون حينئذ أقل فلا تجتذب من ماء البحر إلا ألطفه ، والجو صاف وهو خال من الأبخرة الدخانية ، الغبار المخالط للماء ، وكل هذا يوجب لطفه وصفاءه ، وخلوه من مخالط .

قال من رجح الربيعي الحرارة توجب تحلل الأبخرة الغليظة ، وتوجب رقة الهواء ولطافته ، فيخف بذلك الماء ، وتقل أجزاؤه الأرضية ، وتصادف وقت حياة النبات والأشجار وطيب الهواء .

وذكر الشافعي رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنهما ، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصابنا مطر ، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه ، وقال ” إنه حديث عهد بربه ” ، وقد تقدم في هديه في الإستسقاء ذكر استمطاره صلى الله عليه وسلم ، وتبركه بماء الغيث عند أول مجيئه .

حرف الفاء
فاتحة الكتاب

وأم القرآن ، والسبع المثاني ، والشفاء التام ، والدواء النافع والرقية التامة ، ومفتاح الغنى والفلاح ، وحافظة القوة ، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها ، وأحسن تنزيلها على دائه ، وعرف وجه الإستشفاء والتداوي بها ، والسر الذي لأجله كانت كذلك .

ولما وقع بعض الصحابة على ذلك ، رقى بها اللديغ ، فبرأ لوقته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” وما أدراك أنها رقية”.

ومن ساعده التوفيق ، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة ، وما اشتملت عليه من التوحيد ، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال ، وإثبات الشرع والقدر والمعاد ، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية ، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله ، وله الحمد كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، والإفتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ، ودفع مفاسدهما ، وأن العاقبة المطلقة التامة ، والنعمة الكاملة منوطة بها ، موقوفة على التحقق بها ، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى ، واستفتح بها من الخير أبوابه ، ودفع بها من الشر أسبابه .

وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى ، وعقل آخر ، وإيمان آخر ، وتالله لا تجد مقالة فاسدة ، ولا بدعة باطلة إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها بأقرب الطرق ، وأصحها وأوضحها ، ولا تجد باباً من أبواب المعارف الإلهية ، وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها إلا وفي فاتحة الكتاب مفتاحه ، وموضع الدلالة عليه ، ولا منزلاً من منازل السائرين إلى رب العالمين إلا وبدايته

ونهايته فيها .

ولعمر الله إن شأنها لأعظم من ذلك ، وهي فوق ذلك . وما تحقق عبد بها ، واعتصم بها ، وعقل عمن تكلم بها ، وأنزلها شفاء تاماً ، وعصمة بالغة ، ونوراً مبيناً ، وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغى ووقع في بدعة ولا شرك ، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا لماماً ، غير مستقر .

هذا ، وإنما المفتاح الأعظم لكنوز الأرض ، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة ، ولكن ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح ، ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة ، وتحققوا بمعانيها ، وركبوا لهذا المفتاح أسناناً ، وأحسنوا الفتح به ، لوصلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق ، ولا ممانع .

ولم نقل هذا مجازفة ولا استعارة ، بل حقيقة ، ولكن لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين ، كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم ، والكنوز المحجوبة قد استخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية تحول بين الإنس وبينها ، ولا تقهرها إلا أرواح علوية شريفة غالبة لها بحالها الإيماني ، معها أسلحة لا تقوم لها الشياطين ، وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة ، فلا تقاوم تلك الأرواح ولا يقهرها ، ولا ينال من سلبها شيئاً ، فإن من قتل قتيلاً فله سلبه .

فاغية

هي نور الحناء ، وهي من أطيب الرياحين ، وقد روى البيهقي في كتابه شعب الإيمان من حديث عبد الله بن بريدة ، عن أبيه رضي الله عنه يرفعه ” سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية ” وروى فيه أيضاً ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” كان أحب الرياحين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاغية ” . والله أعلم بحال هذين الحديثين ، فلا نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا نعلم صحته .

وهي معتدلة في الحر واليبس ، فيها بعض القبض ، وإذا وضعت بين طي ثياب الصوف حفظها من السوس ، وتدخل في مراهم الفالج والتصدد ، ودهنها يحلل الأعضاء ، ويلين العصب .

فضة

ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة ، وفصه منه ، وكانت قبيعة سيفه فضة ، ولم يصح عنه في المنع من لباس الفضة والتحلي بها شئ البتة ، كما صح عنه المنع من الشرب في آنيتها ، وباب الآنية أضيق من باب اللباس والتحلي ، ولهذا تباح للنساء لباساً ، وحلية ما يحرم عليهن استعمال آنية ، فلا يلزم من تحريم الآنية تحريم اللباس والحلية .

وفي السنن عنه ” وأما الفضة فالعبوا بها لعباً ” . فالمنع يحتاج إلى دليل يبينه ، إما نص أو إجماع ، فإن ثبت أحدهما ، وإلا ففي القلب من تحريم ذلك على الرجال شئ ، والنبي صلى صلى الله عليه وسلم أمسك بيده ذهباً ، وبالأخرى حريراً ، وقال ” هذان حرام على ذكور أمتي ، حل لإناثهم ” .

والفضة سر من أسرار الله في الأرض ، وطلسم الحاجات ، وإحسان أهل الدنيا بينهم ، وصاحبها مرموق بالعيون بينهم ، معظم في النفوس ، مصدر في المجالس ، لا تغلق دونه الأبواب ، ولا تمل مجالسته ، ولا معاشرته ، ولا يستثقل مكانه ، تشير الأصابع إليه ، وتعقد العيون نطاقها عليه ، إن قال ، سمع قوله ، وإن شفع ، قبلت شفاعته ، وإن شهد، زكيت شهادته ، وإن خطب فكفء لا يعاب ، وإن كان ذا شيبة بيضاء ، فهي أجمل عليه من حلية الشباب .

وهي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن ، وضعف القلب وخفقانه ، وتدخل في المعاجين الكبار ، وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة ، خصوصاً إذا أضيفت إلى العسل المصفى ، والزعفران .

ومزاجها إلى اليبوسة والبرودة ، ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة ما يتولد ، والجنان التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم يلقونه أربع جنتان من ذهب ، وجنتان من فضة ، آنيتهما وحليتهما وما فيهما . وقد ثبت عنه في الصحيح من حديث أم سلمة أنه قال ” الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ” .

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ” .

فقيل علة التحريم تضييق النقود ، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم ، وقيل العلة الفخر والخيلاء . وقيل العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها .

وهذه العلل فيها ما فيها ، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد ، والفخر والخيلاء حرام بأي شئ كان ، وكسر قلوب المساكين لا ضابط له ، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة ، والمراكب الفارهة ، والملابس الفاخرة ، والأطعمة اللذيذة ، وغير ذلك من المباحات ، وكل هذه علل منتقضة ، إذ توجد العلة ، ويتخلف معلولها .

فالصواب أن العلة – والله أعلم – ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة ، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة ، ولهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم بأنها للكفار في الدنيا ، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها ، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا ، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته ، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة .

حرف القاف
قرآن

قال الله تعالى ” وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ” [ الإسراء ] ، والصحيح أن من ها هنا ، لبيان الجنس لا للتبعيض ، وقال تعالى ” يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ” [ يونس ] .

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للإستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الداء أبداً .

وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال ، لصدعها ، أو على الأرض ، لقطعها ، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه ، والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه ، وقد تقدم في أول الكلام على الطب بيان إرشاد القرآن العظيم إلى أصوله ومجامعه التي هي حفظ الصحة والحمية ، واستفراغ المؤذي، والإستدلال بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع .

وأما الأدوية القلبية ، فإنه يذكرها مفصلة ، ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها . قال ” أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ” [ العنكبوت ] ، فمن لم يشفه القرآن ، فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه ، فلا كفاه الله .

قثاء

في السنن من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل القثاء بالرطب ، ورواه الترمذي وغيره .

القثاء بارد رطب في الدرجة الثانية ، مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة ، بطيء الفساد فيها ، نافع من وجع المثانة ، ورائحته تنفع من الغشي ، وبزره يدر البول ، وورقه إذا اتخذ ضماداً ، نفع من عضة الكلب ، وهو بطيء الإنحدار عن المعدة ، وبرده مضر ببعضها ، فينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برودته ورطوبته ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أكله بالرطب ، فإذا أكل بتمر أو زبيب أو عسل عدله .

قسط وكست بمعنى واحد . وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ” خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ” .

وفي المسند من حديث أم قيس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ” عليكم بهذا العود الهندي ، فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب ” .

القسط

نوعان إحداهما الأبيض الذي يقال له البحري . والآخر الهندي ، وهو أشدهما حراً ، والأبيض ألينهما ، ومنافعهما كثيرة جداً .

وهما حاران يابسان في الثالثة ، ينشفان البلغم ، قاطعان للزكام ، وإذا شربا ، نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ، ومن حمى الدور والربع ، وقطعا وجع الجنب ، ونفعا من السموم ، وإذا طلي به الوجه معجوناً بالماء والعسل ، قلع الكلف ، وقال جالينوس ينفع من الكزاز ، ووجع الجبين ، ويقتل حب القرع .

وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب ، فأنكروه ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزله منزلة النص ، كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب ، ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم . وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء،وأن بين ما يلقى بالوحي، وبين ما يلقى بالتجربة ، والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق .

ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء ، لتلقوه بالقبول والتسليم ، ولم يتوقفوا على تجربته .

نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيراً في الإنتفاع بالدواء وعدمه ، فمن اعتاد دواء وغذاء ، كان أنفع له ، وأوفق ممن لم يعتده ، بل ربما لم ينتفع به من لم يعتده .

وكلام فضلاء الأطباء وإن كان مطلقاً ، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة ، والأماكن والعوائد ، وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم ، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ، ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم ، إلا من أيده الله بروح الإيمان، ونور بصيرته بنور الهدى .

قصب السكر

جاء في بعض ألفاظ السنة الصحيحة في الحوض ” ماؤه أحلى من السكر ” ، ولا أعرف السكر في الحديث إلا في هذا الموضع .

والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدمو الأطباء ، ولا كانوا يعرفونه ، ولا يصفونه في الأشربة ، وإنما يعرفون العسل ، ويدخلونه في الأدوية ، وقصب السكر حار رطب ينفع من السعال ، ويجلو الرطوبة والمثانة ، وقصبة الرئة ، وهو أشد تلييناً من السكر ، وفيه معونة على القئ ، ويدر البول ، ويزيد في الباه . قال عفان بن مسلم الصفار من مص قصب السكر بعد طعامه ، لم يزل يومه أجمع في سرور ، انتهى . وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شوي ، ويولد رياحاً دفعها بأن يقشر ، ويغسل بماء حار . والسكر حار رطب على الأصح ، وقيل بارد، وأجوده الأبيض الشفاف الطبرزد ، وعتيقه ألطف من جديده ، وإذا طبخ ونزعت رغوته ، سكن العطش والسعال ، وهو يضر المعدة التي تتولد فيها الصفراء لاستحالته إليها ، ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج ، أو الرمان اللفان .

وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته ولينه ، وهذا تحامل منه على العسل ، فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر ، وقد جعله الله شفاء ودواء ، وإداماً وحلاوة ، وأين نفع السكر من منافع العسل من تقوية المعدة ، وتليين الطبع ، وإحداد البصر ، وجلاء ظلمته ، ودفع الخوانيق بالغرغرة به ، وإبرائه من الفالج واللقوة ، ومن جميع العلل الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات ، فيجذبها من قعر البدن ، ومن جميع البدن ، وحفظ صحته وتسمينه وتسخينه ، والزيادة في الباه ، والتحليل والجلاء ، وفتح أفواه العروق ، وتنقية المعى ، وإحدار الدود ، ومنع التخم وغيره من العفن ، والأدم النافع ، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ وأهل الأمزجة الباردة ، وبالجملة فلا شئ أنفع منه للبدن ، وفي العلاج وعجز الأدوية ، وحفظ قواها ، وتقوية المعدة إلى أضعاف هذه المنافع ، فأين للسكر مثل هذه المنافع والخصائص أو قريب منها ؟ .

حرف الكاف
كتاب للحمى

قال المروزي بلغ أبا عبد الله أني حممت ، فكتب لي من الحمى رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله ، وبالله ، محمد رسول الله ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، وأرادوا به كيداً ، فجعلنهاهم الأخسرين ، اللهم رب جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك ، إله الحق آمين .

قال المروزي وقرأ على أبي عبد الله – وأنا أسمع – أبو المنذر عمرو بن مجمع ، حدثنا يونس بن حبان ، قال سألت أبا جعفر محمد بن علي أن أعلق التعويذ ، فقال إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبي الله فعلقه واستشف به ما استطعت . قلت أكتب هذه من حمى الربع باسم الله ، وبالله ، ومحمد رسول الله إلى آخره ؟ قال أي نعم .

وذكر أحمد عن عائشة رضي الله عنها وغيرها ، أنهم سهلوا في ذلك .

قال حرب ولم يشدد فيه أحمد بن حنبل ، قال أحمد وكان ابن مسعود يكرهه كراهة شديدة جداً . وقال أحمد وقد سئل عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء ؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس .

قال الخلال وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال رأيت أبي يكتب التعويذ للذي يفزع ، وللحمى بعد وقوع البلاء .

كتاب لعسر الولادة

قال الخلال حدثني عبد الله بن أحمد قال رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض ، أو شئ نظيف ، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنه لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ” كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ ” [ الأحقاف ] ، ” كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ” [ النازعات ] .

قال الخلال أنبانا أبو بكر المروزي ، أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال يا أبا عبد الله ! تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين ؟ فقال قل له يجيء بجام واسع ، وزعفران ، ورأيته يكتب لغير واحد ويذكر عن عكرمة ، عن ابن عباس قال مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها ، فقالت يا كلمة الله ! ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه ، فقال يا خالق النفس من النفس ، ويا مخلص النفس من النفس ، ويا مخرج النفس من النفس ، خلصها . قال فرمت بولدها ، فإذا هي قائمة تشمه . قال فإذا عسر على المرأة ولدها ، فاكتبه لها . وكل ما تقدم من الرقي ، فإن كتابته نافعة .

ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه ، وجعل ذلك الشفاء الذي جعل الله فيه .

كتاب آخر لذلك يكتب في إناء نظيف ” إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت ” [ الإنشقاق ، ] ، وتشرب منه الحامل ، ويرش على بطنها .

كتاب للرعاف

كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته ” وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر ” [ هود ] . وسمعته يقول كتبتها لغير واحد فبرأ ، فقال ولا يجوز كتابتها بدم الراعف ، كما يفعله الجهال ، فإن الدم نجس ، فقال يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى .

كتاب آخر له خرج موسى عليه السلام برداء ، فوجد شعيباً ، فشده بردائه ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ” [ الرعد ] .

كتاب آخر للحزاز

يكتب عليه ” فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ” [ البقرة ] بحول الله وقوته .

كتاب آخر له عند اصفرار الشمس يكتب عليه ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ” [ الحديد ] .

كتاب آخر للحمى المثلثة يكتب على ثلاث ورقات لطاف بسم الله فرت ، بسم الله مرت ، بسم الله قلت ، ويأخذ كل يوم ورقة ، ويجعلها في فمه ، ويبتلعها بماء .

كتاب آخر لعرق النسا

بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم رب كل شئ ، ومليك كل شئ ، وخالق كل شئ ، أنت خلقتني ، وأنت خلقت النسا ، فلا تسلطه علي بأذى ، ولا تسلطني عليه بقطع ، واشفني شفاء لا يغادر سقماً ، لا شافي إلا أنت .

كتاب للعرق الضارب

روى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى ، ومن الأوجاع كلها أن يقولوا ” بسم الله الكبير ، أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ، ومن شر حر النار ” .

كتاب لوجع الضرس

يكتب على الخد الذي يلي الوجع بسم الله الرحمن الرحيم ” قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ” [ النحل ] ، وإن شاء كتب ” وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ” [ الأنعام ] .

كتاب للخراج

يكتب عليه ” ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ” [ طه ] .

كمأة

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ” ، أخرجاه في الصحيحين .

قال ابن الأعرابي الكمأة جمع ، واحدة كمء ، وهذا خلاف قياس العربية ، فإن ما بينه وبين واحده التاء ، فالواحد منه التاء ، وإذا حذفت كان للجمع . وهل هو جمع ، أو اسم جمع ؟ على قولين مشهورين ، قالوا ولم يخرج عن هذا إلا حرفان كمأة وكمء ، وجباة وجبء ، وقال غير ابن الأعرابي بل هي على القياس الكمأة للواحد ، والكمء للكثير ، وقال غيرهما الكمأة تكون واحداً وجمعاً .

واحتج أصحاب القول الأول بأنهم قد جمعوا كمئاً على أكمؤ ، قال الشاعر

ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

وهذا يدل على أن كمء مفرد ، وكمأة جمع .

والكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع ، وسميت كمأة لاستتارها ، ومنه كمأ الشهادة إذا سترها وأخفاها ، والكمأة مخفية تحت الأرض لا ورق لها ، ولا ساق ، ومادتها من جوهر أرضي بخاري محتقن في الأرض نحو سطحها يحتقن ببرد الشتاء ، وتنميه أمطار الربيع ، فيتولد ويندفع نحو سطح الأرض متجسداً ، ولذلك يقال لها جدري الأرض ، تشبيهاً بالجدري في صورته ومادته ، لأن مادته رطوبة دموية ، فتندفع عند سن الترعرع في الغالب ، وفي ابتداء استيلاء الحرارة ، ونماء القوة .

وهي مما يوجد في الربيع ، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ، وتسميها العرب نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته ، وتنفطر عنها الأرض ، وهي من أطعمة أهل البوادي ، وتكثر بأرض العرب ، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء .

وهي أصناف منها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة يحدث الإختناق .

وهي باردة رطبة في الدرجة الثالثة ، رديئة للمعدة ، بطيئة الهضم ، وإذا أدمنت ، أورثت القولج والسكتة والفالج ، ووجع المعدة ، وعسر البول ، والرطبة أقل ضرراً من اليابسة ، ومن أكلها فليدفنها في الطين الرطب ، ويسلقها بالماء والملح والصعتر ، ويأكلها بالزيت والتوابل الحارة ، لأن جوهرها أرضي غليظ ، وغذاؤها رديء ، لكن فيها جوهر مائي لطيف يدل على خفتها ، والإكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرمد الحار ، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأن ماءها يجلو العين ، وممن ذكره المسيحي ، وصاحب القانون وغيرهما .

وقوله صلى الله عليه وسلم ” الكمأة من المن ” فيه قولان

أحدهما أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط ، بل أشياء كثيرة من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفواً من غير صنعة ولا علاج ولا حرث ، فإن المن مصدر بمعنى المفعول ، أي ممنون به ، فكل ما رزقه الله العبد عفواً بغير كسب منه ولا علاج ، فهو من محض ، وإن كانت سائر نعمه مناً منه على عبده ، فخص منها ما لا كسب له فيه ، ولا صنع باسم المن ، فإنه من بلا واسطة العبد ، وجعل سبحانه قوتهم بالتيه الكمأة ، وهي تقوم مقام الخبز ، وجعل أدمهم السلوى ، وهو يقوم مقام اللحم ، وجعل حلواهم الطل الذي ينزل على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى ، فكمل عيشهم .

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم ” الكمأة من المن الذي أنزله الله على بني إسرائيل ” فجعلها من جملته ، وفرداً من أفراده ، والترنجبين الذي يسقط على الأشجار نوع من المن ، ثم غلب استعمال المن عليه عرفاً حادثاً .

والقول الثاني أنه شبه الكمأة بالمن المنزل من السماء ، لأنه يجمع من غير تعب ولا كلفة ولا زرع بزر ولا سقي .

فإن قلت فإن كان هذا شأن الكمأة ، فما بال هذا الضرر فيها ، ومن أين أتاها ذلك ؟ فاعلم أن الله سبحانه أتقن كل شئ صنعه ، وأحسن كل شئ خلقه ، فهو عند مبدإ خلقه بريء من الآفات والعلل ، تام المنفعة لما هيئ وخلق له ، وإنما تعرض له الآفات بعد ذلك بأمور أخر من مجاورة ، أو امتزاج واختلاط ، أو أسباب أخر تقتضي فساده ، فلو ترك على خلقته الأصلية من غير تعلق أسباب الفساد به ، لم يفسد .

ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه ، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه ، ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام ، والطواعين والقحوط ، والجدوب ، وسلب بركات الأرض ، وثمارها ، ونباتها ، وسلب منافعها ، أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضها بعضاً ، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ” [ الروم ] ، ونزل هذه الآية على أحوال العالم ، وطابق بين الواقع وبينها ، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان ، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة ، بعضها آخذ برقاب بعض ، وكلما أحدث الناس ظلماً وفجوراً ، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم ، وأهويتهم ومياههم ، وأبدانهم وخلقهم ، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم .

ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم ، كما كانت البركة فيها أعظم . وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل . وهذه القصة ، ذكرها في مسنده ، على أثر حديث رواه .

وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة ، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم ، حكماً قسطاً ، وقضاء عدلاً ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله في الطاعون ” إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل ” .

وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام ، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام ، وفي نظيرها عظة وعبرة .

وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه ، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغيث من السماء ، والقحط والجدب ، وجعل ظلم المساكين ، والجنس في المكاييل والموازين ، وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا ، ولا يعطفون إن استعطفوا ، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم ، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها ، فتارة بقحط وجدب ، وتارة بعدو ، وتارة بولاة جائرين ، وتارة بأمراض عامة ، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها ، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم ، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزاً ، لتحق عليهم الكلمة ، وليصير كل منهم إلى ما خلق له ، والعاقل يسير بصيرته بين أقطار العالم ، فيشاهده ، وينظر مواقع عدل الله وحكمته ، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة ، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون ، وإلى دار البوار صائرون ، والله بالغ أمره ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره ، وبالله التوفيق .

وقوله صلى الله عليه وسلم في الكمأة وماؤها شفاء للعين فيه ثلاثة أقوال

أحدها أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين ، لا أنه يستعمل وحده ، ذكره أبو عبيد .

الثاني أنه يستعمل بحتاً بعد شيها ، واستقطار مائها ، لأن النار تلطفه وتنضجه ، وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية ، وتبقي المنافع.

الثالث أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر ، وهو أول قطر ينزل إلى الأرض ، فتكون الإضافة إضافة اقتران ، لا إضافة جزء ، ذكره ابن الجوزي ، وهو أبعد الوجوه وأضعفها .

وقيل إن استعمل ماؤها لتبريد ما في العين ، فماؤها مجرداً شفاء ، وإن كان لغير ذلك ، فمركب مع غيره .

وقال الغافقي ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به ، ويقوي أجفانها ، ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة، ويدفع عنها نزول النوازل .

كباث

في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث ، فقال ” عليكم بالأسود منه ، فإنه أطيبه ” .

الكباث ، بفتح الكاف ، والباء الموحدة المخففة ، والثاء المثلثة – ثمر الأراك ، وهو بأرض الحجاز ، وطبعه حار يابس ، ومنافعه كمنافع الأراك يقوي المعدة ، ويجيد الهضم ، ويجلو البلغم ، وينفع من أوجاع الظهر ، وكثير من الأدواء . قال ابن جلجل إذا شرب طحينه ، أدر البول ، ونقى المثانة ، وقال ابن رضوان يقوي المعدة ، ويمسك الطبيعة .

* الطب النبوي من كتاب زاد المعاد للإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية