الطاهر ساتي

الصحافة ليست هي .. السخافة


[ALIGN=CENTER]الصحافة ليست هي .. السخافة [/ALIGN] قبل كم سنة ، قرأت حوارا ساخنا أجرته إحدى الصحف الموالية للحكومة مع الراحل الدكتور فاروق كدودة ، عليه رحمة الله .. ولا تزال ذاكرتي تحتفظ بسؤال فحواه : هل أنت تصلي ..؟.. وكذلك برد كدودة ، حيث قال نصا : لا ، لقد تركتها منذ ثلاثين يونيو 1989 .. فعقب أستاذنا حسين خوجلي على الرد بمقال صب فيه جام غضبه على كدودة ، وقال فيه نثرا ما قاله المتنبي شعرا في كافور الإخشيدي ، حين غضب منه .. فحزنت ، لا على رد فاروق كدودة فحسب ، بل على مقال أستاذنا حسين خوجلي .. ومرد ذلك أنني التقيت كدودة بمكتب عصام الصديق بعد الحوار والمقال – وكان معه في ذات المكتب عبد الله حسن أحمد – فاستفسرته عما جاء في الحوار وعن ذاك الرد ، فأجابني قائلا بالنص : الزول الحاورني داك ما صحفي ، جاني بأسئلة سخيفة و أنا رديت عليها بإجابات أسخف منها .. ثم استرسل موضحا : هو مالو ومال صلاتي ؟. أنا أصلي لله ولا لناس الحكومة والرأي العام ؟. و لو صلاتي دي بتهم الزول ده – يقصد الصحفي – كان يجيني المغرب ولا الصبح ويقعد معاى ويشوفني أنا بأصلي ولا لا . بدل السؤال العبيط ده .. هكذا شرح مغزى إجابته عن ذاك السؤال .. !!
** ومن الشرح فهمت بأن إجابته تلك لم تكن هي الحقيقة ، بل أراد كدودة – رحمة الله عليه – أن يبقي أمر صلاته فيما بينه وبين ربه ، وأن يرد على صاع الصحفي بصاعين ، ولكن أستاذنا حسين لم يتعمق في روح الرد عند التعليق ، بحيث اكتفى بالشكل الذي كان من شاكلة : لا ، ما بأصلي ، خليتها ليكم .. وهو رد يوضح مدى غضبه على السؤال ، وهكذا كل أهل السودان تقريبا ، وليس فاروق كدودة وحده .. حيث المرء – بفطرته السليمة – لايرضى بأن يتخذ أحدهم نفسه وكيلا لله على الأرض ، ليحاسب الآخرين ويتحرى معهم ويحقق معهم حول الفرائض التي يجب أن تكون بينهم وبين خالقهم .. بمعنى ، كل ذي عقل سوي وقلب سليم يرفض محاكم التفتيش ووسائل التجسس التي تستخدم لمعرفة علاقة الإنسان بربه ، ومدى إلتزامه بما يأمره خالقه ، جل وعلا شأنه .. فالظاهر يكفي للمرء بأن يعرف الآخر ، وإذا عجز عن الحكم له أو عليه بالظاهر ، فليس من المستحب أن يتجسس عليه أو ينصب له محكمة تفتيش ، ليعرف .. بل حتى هذا الظاهر ، لا يصلح وحده بأن يكون بينة ليشهد له الكل أو البعض بسلامة الإيمان ، فما أكثر الذين يرتادون المساجد ويبتهلون لله ، ولكن كم منهم مأكله ليس بحرام أو مشربه ليس بحرام أو ملبسه ليس بحرام ..؟.. فالعلم عند الله ، ولكن ماعند الناس ، بفضل الله ، هو الاستفهام النبوي الشريف : فأنى يستجاب له .. أي ، ليست كل دعوة مستجابة ، وكذلك ليست كل صلاة لله .. وقديما أراد عبد الله بن سلول أن يحسب نفسه صحابيا ، ولكن الله سبحانه وتعالى كشف لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم – وصحابته رضوان الله عليهم – بأنه « منافق » .. !!
** وعليه ، لم يكن الأخ الأستاذ عبد الباقي الظافر موفقا عندما سأل الأستاذ محمد إبراهيم نقد في الفضائية : هل أنت تصلي ..؟.. لم يكن موفقا ، لأن السؤال بمثابة تدخل في أمر يجب أن يكون بين المرء وخالقه ، ثم أن البرنامج لم يكن محكمة اقتيد إليها نقد بتهمة الردة أو نكران فريضة أو محاربة ركن من أركان الإسلام ، كما فعل مسيلمة في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه .. أي ، المقام لم يكن مقاما لهذا السؤال ، وكذلك الظافر أو أي صحفي آخر ليس هو المفوض بأن يسأل نقد – أو أي مسلم أخر – مثل هذا السؤال .. كان عليه أن يخصص بعض وقته ، في ميقات صلاة ما ، ليراقب نقد ويتجسس عليه ، إن كان يصلي أو لا..هذا إن كانت صلاة نقد هي مبلغ هم الظافر ، أو إن كانت صلاة نقد هي الحل الناجع لكل مشاكل السودان ..المرء في العمل العام يجب أن يسأل أسئلة من شاكلة : لماذا تأكل أموال الناس بالباطل ياهذا ؟ لماذا تظلم رعيتك ياهذا ؟ أو : « من أين لك هذا ؟» .. أو الأخير يبقى سؤالا مشروعا بنص حديث نبوي شريف .. وعليه ، لم تكن موفقا ياعزيزي الظافر ، وكذلك نقد لم يكن موفقا في الرد ، حيث كان عليه أن يرد على سؤالك بسؤال من شاكلة : بصفتك شنو تسألني السؤال ده .؟.. وعند إجابتك كان علم الرأي العام ما لايعلمه ، ربما تكون قاضيا اقتيد إليه نقد بتهمة الردة ، أو ربما تكون صحفيا تجهل الفرق بين الصحافة و… «السخافة»… .. !!

اليكم ..الصحافة-العدد 5995
tahersati@hotmail.com