جعفر عباس

يا حبيبة بابا


[ALIGN=CENTER]يا حبيبة بابا [/ALIGN] كان مواطن سعودي من بلدة مركز حلي جنوب القنفذة، يتأهب قبل أيام قليلة للسفر الى مصر في زيارة ترفيهية، ومع اقتراب موعد السفر تأكد من أن زوجته أعدت حقيبته وجمعت له أشياءه الصغيرة مثل المشط وفرشاة الأسنان وشبشب الحمام، إلخ، ثم قام بتوديعها وأعطى بنته ذات التسع سنوات قبلة وربت على رأسها وفتح الباب و”نشوفكم على خير”، ثم خاطب بنته قائلا: أنت في إجازة.. خلي بالك من أمك، وبلاش سهر مع التلفزيون””، وبعد أقل من دقيقة من مغادرته البيت عاد منزعجا: وين راح جواز السفر؟ كنت حاطه في شنطة اليد الصغيرة مع التذكرة، وحصلت التذكرة ولكن الجواز مو موجود! قام هو وزوجته بتفتيش البيت ركنا ركنا.. افرغوا خزانات الملابس من محتوياتها، وفلفلوا كل قطعة قماش.. قلبوا كل سرير في البيت.. أزالوا مساند الكراسي فلربما انحشر جواز السفر بين طياتها.. حتى سلال القمامة خضعت للتفتيش.. كل ذلك والزوج يقول: أكيد ملك الجان سرق الجواز لأني متأكد أنه كان داخل الشنطة مع التذكرة حتى قبل ساعتين.
المهم: لم يعثر الرجل على جواز السفر وبالتالي لم يتمكن من اللحاق بالطائرة، ولم يفكر في تغيير موعد الحجز لرحلة أخرى لاستحالة السفر من دون الجواز،.. وعثر على الجواز في اليوم التالي.. جاءته بنته التلميذة في الصف الثالث بالمدرسة الابتدائية ومدت يدها إليه بالجواز.. قال أبوها: ما شاء الله عليك يا بنتي.. لو اشتركت معنا في البحث عن الجواز أمس لكنت قد سافرت من دون أن أقلب البيت فوق – تحت، ولكن البنت فاجأته بقولها إنها أخفت الجواز في حقيبتها المدرسية لمنعه من السفر، لأنها تريد له أن يكون معها في البيت.. ظهر الغضب على وجه الأب: ليه؟ ليش؟ لماذا؟ واي؟.. سكتت البنت وتفادت النظر الى وجه أبيها، ولسان حالها يقول: شرحت لك قبل قليل لماذا أخفيت جواز سفرك!.. غضب الوالد لم يدم لأكثر من دقيقتين.. توجه نحو البنت وضمها الى صدره.. ثم قال: معك حق.. مفروض إني أكون وياك في البيت لأنك في إجازة.. يللا.. روحي قولي لماما تحضر شنطتها وشنطتك لأننا راح نسافر سوا في إجازة.
يا حبيبتي.. الله يخليكِ لبابا وماما، ويخلي بابا وماما لك.. هذه طفلة يتمناها كل والد، وتصرفها بإخفاء جواز سفر والدها تنبيه لنا نحن الأمهات والآباء، بأن عيالنا قد يرتكبون أشياء نحسبها “غلط” لأنهم يحبوننا.. عندما كنت أعمل بالصحافة المكتوبة كنت أعود الى البيت قبل طلوع الشمس بقليل، وأنام نهارا، وكانت ابنتي مروة وقتها طفلة.. كذا مرة قمت فزعا من النوم لأن هناك من يحاول فتح جفوني المغمضة.. اصرخ منزعجا: ليه عملت كده؟ فتقول: كنت عايزة أشوف أنت نائم أم صاحي؟ عيناي مغمضتان لأنني نائم ولكنك لا تستطيعين تحديد ما إذا كانت نائما او يقظانا إلا بفتح جفوني عنوة؟ عرفت ان طبيعة عملي تحرمها وتحرمني من الحضور في حياتها اليومية فهجرت النوم نهارا، وبما ان الليل كان مخصصا للعمل فقد كدت أصاب بخلل عقلي بسبب عدم النوم فهجرت الصحافة المكتوبة نهائيا وكليّاً.
والأطفال أذكياء، وقد تعود مرهقا من العمل لتنام لفترة قصيرة ولكن إزعاج العيال يتصاعد رغم أنك طلبت منهم الهدوء.. هم يفعلون ذلك لأنهم لا يريدون منك أن تنام، فلا تغضب.. ابرم معهم معاهدة: أعود وأتونس معكم لساعتين ثم تتركونني أنام بهدوء لساعتين.. سيصيحون: ساعتين كثيرة.. أوكي ساعة واحدة.. وهكذا، ينعمون بحبك وتنعم بحبهم وبالنوم الهادئ والأحلام المفرحة.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com