الطاهر ساتي

أخيرا .. سندس يتنفس الصعداء

[ALIGN=CENTER]أخيرا .. سندس يتنفس الصعداء[/ALIGN] ** ما حدث أخيرا يستدعي إعادة ما حدث سابقا .. أي ، قبل عشرين سنة أو أقل قليلا ، تلقت صحيفتنا دعوة من إدارة مشروع سندس الزراعي ، وذلك لتغطية حفل إنجاز ما تم إنجازه هناك ، فاختارتني الصحيفة لتغطية حفل الإنجاز ، فذهبت ، ولكن ظلت الدهشة ترافقني في الطريق حتى وصلت أرض المشروع .. والدهشة مردها أن إنجازات الحكومة كانت تغطى في ذاك العهد بواسطة كبار الصحفيين الإسلاميين ، أي بما يسمونهم بالبدريين ، وأنا كنت محض محرر تحت التدريب وحديث عهد بالحياة الطلابية ، ولذلك كنت حائرا عن هذا الاختيار الذي لم يصادف أهله ، وان إنجازا أنجزه الشيخ الصافي جعفر يجب أن يغطيه رئيس التحرير شخصيا وليس صحفي تحت التدريب ، أوهكذا كنت أحدث نفسي في طريق الخرطوم – جبل أولياء…!!
** ولكن عندما ترجلت من البص مع بعض الشيوخ والسادة المترجلين ، تبخرت دهشتي واختفت حيرتي ، حيث عرفت لماذا اختارتني الصحيفة ولم يأت رئيس تحريرها شخصيا لهذا الإنجاز المحتفى به .. فالإنجاز كان مجرد « حفرة كبيرة » .. لا أدري بكم عامل تم حفرها ولا في كم يوم تم تعميقها ، ولكنها كانت قاب قوسين أو أدنى من الشاطئ ، وعلى حافتها لافتة خضراء حروفها تشير بأنها « بيارة المشروع » .. وكانت هناك على الناحية الشمالية منها « راكوبة » .. الراكوبة كانت في مواجهة الحفرة تماما ، فجلسنا تحتها ثم احتفلنا واحتفينا وهللنا وكبرنا وصلينا صلاة الشكر بمناسبة تلك : « الحفرة » .. عفوا ، لكي لا أنسى ، كان البعض يبكي في مشهد مؤثر جدا .. لم أكن أدري لماذا يبكون ، حيث كنت صغيرا ، ولكن فيما بعد ، أي بعد عقد ونصف ونيف ، اكتشفت سر ذاك البكاء .. حيث كانت دموعهم عهدئذ بمثابة « بكاء مقدم » ، على وزن « دفع مقدم » .. أي ، أدمعت أعينهم – قبل كمتاشر سنة – على ما سيصيب حال مشروعهم لاحقا ، إلي يومنا هذا .. ولم تكن في أمر دموعهم نبوءة أو علم الغيب ، ولكنها فراسة البدريين .. وبمناسبة البكاء ، كتب أحد الملاك بسندس قائلا : شيخ الصافي أبكاني مرتين ، مرة في المنابر وأخرى في سندس ..لقد صدق ، علما بأن البكاء الثاني هو : البكاء المر الذي لم يتوقف حتى موسمنا هذا .. كل الملاك يبكون حال مشروعهم ، والحمد لله على كل حال .. وهكذا حال الدنيا حين تؤسس مشاريعها بلا دراسة وبلا تخطيط ، أو حين يتولى أمور مشاريعها غير أهلها .. !!
** المهم .. كل تلك الخواطر والذكريات صالت وجالت في خاطري وأنا اقرأ خبرا صغيرا ببعض صحف الأسبوع الفائت يخبر الناس بأن الحكومة أعفت الشيخ الصافي جعفر عن إدارة مشروع سندس بعد عشرين عاما من التهليل والتكبير وصلاة الشكر على أرض مشروع لم ينتج بعد غير التجارب والوعود ، رغم أنه لا يبعد عن النيل إلا بمقدار بعد سواد العين عن بياضها .. أعفوه لأن المشروع لم ينتج غير الوعود ..عفوا ، لم يعفوه عن إدارة سندس ، بل نقلوه إلي المجلس الأعلى للذكر والذاكرين أمينا .. نقل وليس إعفاء ، فالشيوخ لايعفون عن مناصبهم حين يفشلون عن اداء واجبهم ، بل ينقلون إلي مناصب آخرى لتتحف الناس بتجارب أخرى تعلمهم « قيمة الصبر » .. ولو كان بالصبر وحده يدخل المسلم الجنة ، لبشرنا ملاك سندس بالفردوس الأعلى ، ولكن ليس بالصبر وحده يدخلونها ، بطاعة الله ثم برحمته الواسعة .. سبحان الله ، « كمتاشر سنة » عمر المشروع الذي يتوسد شاطئ النيل ، ومع ذلك لم يساهم في سوق الخضار بجبل أولياء إلا بالوعود والتجارب وزيارات المسؤولين .. على كل حال ، خيرا فعلت الحكومة بإعفاء الصافي جعفر ، أقصد بنقله إلي أمانة الذكر والذاكرين ، ولكن ما كان يجب أن يتم الإعفاء – النقل – بهذا الهدوء .. لقد ضيعت الحكومة على نفسها فرصة ذهبية كان يجب استغلالها برنامجا انتخابيا .. نقل شيخ الصافي من سندس لايقل إنجازا – عند ملاك أراضي سندس – عن إنجازات أخرى من شاكلة : سد مروي والبترول وسلام الجنوب .. ومع ذلك ، أجد العذر للحكومة لعدم قطعها المسلسل اليومي لبث بيان مهم يوضح الإعفاء أو النقل بصوت عمر الجزلي ، فالحكومة لم تفعل ذلك ربما خشية من أن يموت بعض الملاك فرحا ، خاصة أن البعض مات ..« كمدا » …!!

اليكم ..الصحافة-العدد 6001
tahersati@hotmail.com