الامين السياسي لمؤتمر البجا : المؤتمر الوطني يهدف إلى انفصال شرق السودان

[JUSTIFY]يمثل الأمين السياسي لحزب مؤتمر البجا عبد الله موسي أحد القيادات البارزة بالشرق التي ناضلت من أجل قضايا الإقليم، قبل وبعد توقيع اتفاقية سلام الشرق التي كان أحد المشاركين في مفاوضاتها المارثونية، وتقدم الرجل أخيرا باستقالته التي لم يبت الحزب في امرها بعد.. جلسنا اليه وتناولنا معه العديد من القضايا المتعلقة بالشرق، ونتابع معاً ما قاله في حديث الصراحة والشفافية.
٭ 13 عاماً من الكفاح المسلح .. ومرور خمس سنوات على تطبيق اتفاقية سلام الشرق، كيف تقرأ أحداث الفترتين وهذه السنوات؟ ــ دعني اشير لامر مهم قبل الاجابة على سؤالك، وهو أننا بصفتنا سودانيين نتعامل بالعاطفة مع كل قضايانا، ومؤتمر البجا لم يكن استثناءً من هذه القاعدة، فهو منذ بداية الكفاح المسلح لم يؤطر لنظرية واضحة لمرحلة المعارضة المسلحة والاهداف المنشودة منها، ولم تكن له استراتيجية مكتملة المعالم لما بعد الكفاح المسلح، وغياب الرؤى الواضحة اثر سلباً في الخطاب الاعلامي الذي كان عاطفياً ومحتشداً بالوعود والاماني وهذا انسحب على المواطنين الذين ارتفعت اسقف احلامهم وتطلعاتهم، متوقعين ان تأتي فترة ما بعد البندقية مختلفة تماماً عن سابقتها، حافلة بحياة تتوفر فيها كل الخدمات بالاقليم التي قاد انعدامها الى حمل السلاح في وجه الدولة، وحتى فكر وثقافة الكفاح المسلح انتشر عبر الاغاني والقصائد والاناشيد، واسهم هذا في إحداث تغيير كبير في تفكير وتطلعات المواطنين، خاصة الشباب الذين كانوا عطالى يقضون الساعات الطوال في المقاهي، وانداحت الروح الثورية في دواخل معظم اهل الشرق، حتى أن الحكومة تفاجأت بهذا الامر في احداث 29 يناير التي لم يخرج فيها شباب مؤتمر البجا بل كل الشباب من مختلف قومية البجا واحزابهم، وخلال ثلاثة عشر عاما من الكفاح المسلح حدث تغيير اجتماعي وفكري وسط البجا الذين لم يتوحدوا بعد الثورة المهدية إلا في فترة الكفاح المسلح التي حولت الجميع الى مناضلين، وظهر هذا جلياً في احداث 29 يناير 2005م. واذكر انني وعند وصولي لبورتسودان قبل يوم قلت لهم حسب معلوماتي إن السلطات استعانت بالطائرات لنقل قوات خاصة الى بورتسودان، وطلبت منهم الهدوء والتراجع ومنحنا فرصة لنتفاوض مع الحكومة. ولكن الشباب رفضوا وقالوا اذا لم نقدم شهداء فلن تحل قضيتنا، وفي يوم 29 يناير 2005م خرج الجميع. وهذا أمر فاجأ الحكومة التي رأت وقتها أول مرة مواطنين يخرجون لتأييد حركة مسلحة علناً.
٭ قبل أن تواصل دعني اسأل عن دور مؤتمر البجا في أحداث 29 يناير 2005م التي يؤكد كل طرف انه من أشعل الشرارة وقاد الثورة؟ ــ للأمانة والتاريخ شباب قومية البجا ومختلف مكونات الولاية الاخرى هم الذين اطلقوا شرارة البداية، ومن ثم جاء مؤتمر البجا الذي وقف بجانبهم ايماناً منه بقضاياهم العادلة، ومؤتمر البجا ساهم بتبنيه للقضية باعتبارها واجهة سياسية، ولكن وللامانة أيضاً فإن هذه الثورة وقف معها كل أبناء قومية البجا دون فرز، وهذا الامر كما اشرت سابقاً مثل عامل مفاجأة غير متوقعة للحكومة التي استهانت بالأمر في بدايته لذلك جاء تعاملها يوم 29 يناير 2005م وحشياً، واستشهد واصيب قرابة الستين شخصاً وتم اعتقال «300» شخص منهم باستثناء «15» اتشرف بأنني كنت من ضمنهم، ومؤتمر البجا لم يكتب مذكرة الشباب، إلا اننا ساندنا الانتفاضة بقوة عبر قرار من الامانة العامة حتى تمضي في طريقها الصحيح، وركزنا على المبادئ الاساسية التي خرج الشباب ورفعوا مذكرتهم من اجلها.
٭ لنعد الى سؤالنا الأول؟ ــ اعود واقول اننا كنا نمضي على خطى العاطفة، ولم تكن هناك مرجعية فكرية نستند إليها، وكل من انضم للكفاح المسلح جاء حسب اجندته الشخصية والعامة واختلفت الدوافع، وحتى بعد الانصهار في جبهة الكفاح لم يكن هناك تركيز على عمل فكري مؤسس، اضف الى ذلك انفعال شعراء البجا الصادق مع الكفاح المسلح جعلهم ينثرون شعراً حلق بافئدة وتطلعات المواطنين الى رحاب طموحات عالية، رغم ان ميزان القوى العسكرية كان يشير الى تفوق الدولة، وكل هذه الاشياء التي حدثت إبان فترة الكفاح المسلح رغم انها افادتنا كثيراً، غير أنها بعد توقيع الاتفاقية عادت بطريقة عكسية على مؤتمر البجا الذي تمت محاسبته واتهامه بالفشل في ترجمة مخرجات الاتفاقية ونتائج الكفاح على الارض إلى واقع افضل، وتم تحميله المسؤولية لانه رفع طموحات المواطنين، وهذه واحدة من الاشكاليات الحقيقية التي عادت بالضرر على الحزب، جراء عدم تنفيذ الاتفاقية كما نصت بنودها.
٭ ما هي أبرز أسباب عدم إنفاذ كل بنود اتفاقية الشرق مثلما حدث لاتفاقية نيفاشا؟ ــ قبل تقييم مدى تنفيذ بنود اتفاقية الشرق بعد مرور خمس سنوات على توقيعها، لا بد أن نأخذ في الاعتبار جملة من المعطيات المهمة لنستند إليها في التقييم، فيجب النظر بصفة عامة لكل الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الإنقاذ مع الحركات والأحزاب والكيانات المختلفة ومدى درجة تطبيقها، والامر الثاني الظروف التي قادت لتوقيع الاتفاقيات، وأعني بالظروف تلك الموضوعية والعامة وتوازنات القوى، والامر الثالث معرفة نوعية الاطراف التي وقعت على الاتفاقية، عطفا على الجهة الراعية او الضامنة. وكل هذه الاشياء ربما تقود الى تقييم موضوعي، ومن اكبر الاسباب التي قادت لعدم تنفيذ اتفاقية الشرق اصرار المؤتمر الوطني والوسيط الاريتري على عدم اتاحة الفرصة للمجتمع الدولي ليكون شاهداً وضامناً للاتفاقية، واصرار الطرفين يعود الى رغبتهما في ان تكون الاتفاقية سودانية خالصة، وبقولهم هذا خاصة المؤتمر الوطني جعلوا اريتريا كأنها ولاية سودانية، ولكن الهدف الاساسي كان اضعاف الاتفاقية التي قلنا قبل توقيعها إن حضور المجتمع الدولي مهم وضروري، وذلك لأن حكومة السودان تخشى الخواجات أكثر من شعبها، ولكن حديثنا لم يجد استجابة من الوسيط الاريتري، ولك أن تقارن اليوم بين مدى تنفيذ اتفاقيتي الشرق ونيفاشا، وسيظهر الفارق واضحاً والسبب معروف.
٭ وأين دور آلية التنفييذ؟ – عقب تنفيذ الاتفاقية كونت له لجنة عليا برئاسة الاخ نائب الرئيس، وهى للأسف لا تجتمع كثيراً، وهذا الامر اثر سلبا، علاوة على ذلك لم تشكل الجبهة بمختلف مكوناتها ضغطا على المؤتمر الوطني، واطراف الجبهة الثلاثة اهملت امر تنفيذ الاتفاقية واهتمت باظهار الولاء للمؤتمر الوطني، وكانت تتنافس في هذا الجانب من أجل أرضاء الحزب الحاكم لدواعٍ خاصة ومختلفة.
٭ ما هي محصلة تنفيذ بنود الاتفاقية على قلتها؟ – المحصلة صفر كبير، فالمسرحون يهيهم معظمهم دون عمل او تعويض، بل ان صندوق إعمار الشرق تولى امره المؤتمر الوطني وسيطر على كل مناصبه، وبالتأكيد لا يمكن لمنتمين للحزب الحاكم ان يقفوا في وجهه مطالبين بالإيفاء بتعهدات الاتفاقية المالية، وايضاً في الاتفاقية تم الاتفاق على ان مشاريع المياه والكهرباء والطرق مسؤولية الدولة، وذلك لأن أموال الصندوق لا تكفي، وأن تدعم ميزانيات الولايات الثلاث، وما حدث أن الدولة لم تفِ بالمبلغ الحقيقي على قلته في وقته، عطفاً على تجاهل ولايات الشرق تنفيذ برامج التنمية تماماً، ووضع مسؤوليتها على عاتق صندوق إعمار الشرق.
٭ ثم ماذا؟ – المناطق المتأثرة بالحرب مثل تلكوك وهمشكوريب وجنوب طوكر وقرورة لم تستفد من الاتفاقية، واوضح دليل على ذلك انها مازالت مزارع للألغام التي لم تسع الحكومة لازالتها، والحكومة تتحمل المسؤولية لأنها اضعفت جبهة الشرق ومؤتمر البجا، وكان عليها أن تعمل على تقوية الجبهة من أجل متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية. ولكن للاسف الحزب الحاكم تركز كل جهده في كيفية اضعاف الجبهة وشراء قيادات بمؤتمر البجا وحزب الأخت آمنة ضرار الذين عملوا على تخريب احزاب الشرق من الداخل وربطها بالمؤتمر الوطني، وبالتأكيد اضعاف هذه الاحزاب انسحب على مدى تنفيذ بنود الاتفاقية، ومن ثم احراج احزاب وقيادات الشرق امام قواعدها، ويكفي دليلاً على ذلك سقوط الاخ موسى محمد أحمد في الانتخابات في منطقته، وبصفة عامة هدف المؤتمر الوطني هو ألا يجتمع اهل الشرق على كلمة واحدة.
٭ ولكن هناك مشاريع تم تنفيذها من قبل الصندوق؟ – المشاريع التي تم تنفيذها بواسطة صندوق إعمار الشرق وبعد مرور خمس سنوات من الاتفاقية لم يستفد منها المواطن، وذلك لأنها ليست ذات جدوى، وحكومات الولايات الشرقية تتحمل المسؤولية أيضاً، وذلك لأنها لم يُستفد منها، وعجزت عن توفير الكوادر التي تديرها كالمراكز الصحية والمدارس، ومن قبل وفي زيارة برفقة الأخ موسى محمد أحمد لمنطقة «سيتراب» بولاية البحر الاحمر، وجدنا ان هناك مدرسة شيدها الصندوق تم ضمها لاحدى القرى النموذجية التي شيدتها حكومة الولاية باعتبار انها قامت بتشييدها. وفي ريفي القنب والاوليب وجدنا سداً ضخماً جداً تم تشييده بمبلغ ضخم من أموال الصندوق، والغرض منه لم يكن توفير مياه الشرب للمواطن بل حماية ابراج الوالي الفاشل في بورتسودان، فأموال صندوق الإعمار تفرقت في مشاريع صغيرة لم يستفد منها المواطن.
٭ كل الحركات التي نكص المؤتمر الوطني عن اتفاقه معها اتخذت مواقف باستثناء جبهة الشرق؟ ــ أوافقك الرأى في ما يختص باتخاذ موقف من قبل أحزاب الشرق، وكان ينبغي عليها وخاصة مؤتمر البجا الانسحاب من حكومة الوحدة الوطنية والانضمام للمعارضة، وكشف موقف الحكومة الذي أضعف الاتفاقية، وأن يعمل على الاستفادة من اخطائه، وان يتبنى قضية أحداث 29 يناير 2005م والمناطق المتأثرة بالحرب.
٭ من المسؤول عن تفكيك جبهة الشرق إلى سبعة أحزاب؟ – جبهة الشرق عندما حضرت الى السودان كانت تحمل في داخلها بذرة فنائها، بل حتى البجا اصحاب الشأن لم يكونوا راضين عن الاتفاقية ومسمى الجبهة، عطفا على ذلك فإن مؤتمر البجا تعرض لانقسام وعمل مضاد، لأن البعض اعتقد انه قدم تنازلات ما كان ينبغي أن يقدمها، بالاضافة الى ذلك سعى المؤتمر الوطني بكل ما أوتي من قوة الى إضعاف جبهة الشرق، بتعمده تأخير تنفيذ بنود الاتفاقية لإحراجنا أمام قواعدنا، وتكتيك المؤتمر الوطني الاساسي واضح ومعروف، ويستند على تفتيت وحدة اي حزب او حركة توقع معه اتفاقية، وذلك لإضعافها واحراجها امام قواعدها، وكل الاتفاقيات تؤكد هذه الحقيقة.
٭ هل هذا يعني قوته أم ضعفكم؟ – للأسف وجد الحزب الحاكم عوامل مساعدة كثيرة لتنفيذ سياسته الرامية لتفريق شمل جبهة الشرق ومؤتمر البجا على وجه الخصوص، ويتمثل ذلك في أن مسمى جبهة الشرق لم يكن واضحاً للكثيرين من المؤيدين، مثل مؤتمر البجا الذين اعتقدوا أن ثمرة نضالهم ذهبت نحو كيان لا ينضوون تحت لوائه، وأيضاً رأى البعض أن مؤتمر البجا نال نصيباً أقل من حجمه في الاتفاقية في بنودها الثلاثة، وان بعض مناضلي الداخل بل هناك اجانب نالوا نصيباً وافراً لا يستحقونه على حساب المناضلين ومؤتمر البجا، والشعب البجاوي اعتقد ان مؤتمر البجا خان نفسه وقضيته وسلم الثمرة للآخرين، ونحن بصفتنا قادة حزب حاولنا أن نشرح للمواطنين وانصارنا اننا في المفاوضات واجهنا ضغوطات غير طبيعية، حيث كنا ما بين سندان المؤتمر الوطني ومطرقة الوسيط الاريتري، بل أن الأخ موسى محمد أحمد تم اعتقاله باريتريا فترة ليست قصيرة بعد توقيع الاتفاقية، وبصفة عامة هناك الكثير من الاسباب التي دفعتنا قصراً لتوقيع الاتفاقية بوصفنا مؤتمر بجا، وعادت وأسهمت في إضعافنا وتشتيت شمل جبهة الشرق.
٭ حزبكم التاريخي تفرق أيدي سبأ وضعف دوره بالشرق؟ – نحن لسنا ضعفاء، وهذه اشكالية كل الاحزاب السودانية، فالمؤتمر الوطني عمل على تفريقها وشق صفها، والمؤتمر الوطني الذي قسم انصار السنة والحركة الشعبية الى حزبين، يستطيع أن يفعل كل شيء في مختلف الاحزاب لما يملكه من مال وادوات ترهيب وترغيب، وليت كان هدفه من هذا التشرذم خدمة السودان وليس أجندته، ونعم نحن لم نكن متماسكين، وذلك لأننا كنا حزبا خارجا لتوه من حرب طويلة. وايضا الاطراف الاخرى التي ادخلناها في جبهة الشرق وبعد عودتنا للسودان، كانوا الاكثر عداءً لمؤتمر البجا، وعملوا ضدنا ووقفوا مع المؤتمر الوطني.
٭ مؤتمر البجا متهم مثل غيره من أحزاب الشرق بأنه واجهة لقبيلة محددة؟ ــ عندما ناضلنا في جبهة الكفاح المسلح بوصفنا مؤتمر بجا لم يكن الحزب خاصا بقومية البجا، نعم كانت هناك خصوصية ودلالات لاسم البجا، وكنا نقول ان اسم الحزب يعود الى ان المنطقة تاريخياً عرفت بالبجا، بيد أن هذا لم يجعل الحزب والكفاح المسلح حكراً على ابناء البجا والشرق، وكان معنا مناضلون من قبائل الشمال والغرب والوسط، وللتأكيد على عدم التمترس وراء قومية البجا انفتحنا على الآخرين، وقمنا قبل الاتفاقية باستصحاب حزب الأسود الحرة الذي كان يناضل ضد الحكومة منذ عام 1999م وكذلك كيان الشمال.
٭ وماذا عن الدكتورة آمنة ضرار؟ ــ الاخت الدكتورة آمنة ضرار كانت من المناضلات المؤثرات، وهى امرأة سودانية محترمة ومثقفة وليبرالية من الطراز الرفيع، وتنحدر من اسرة وقبيلة محترمتين، ولا يمكن أن يأتي يوم وتتخندق وراء قبيلتها، ولكن للاسف الشديد آمنة تعرضت لضغوطات من اريتريا والمؤتمر الوطني، فوقعت في خطأ ترك مؤتمر البجا وطرحت الطرح القبلي، وللعلم فإن غالبية أهل قبيلتها مؤتمر وطني، ورغم ذلك آمنة تقدمية التفكير، ولكن مؤتمر البجا رفض مبدأ التقييم على أساس قبلي، وهذا ما يرفضه كل البجا، ولأن حزب آمنة لم تكن له ارضية ثابتة ولأنه قام على اساس قبلي، فقد ظل يشهد تصدعات متتالية.
٭ رغم علاقتكم الطيبة باعتباركم حركات مسلحة واحزاباً معارضة مع النظام الاريتري لم تبارح العلاقة بين البلدين محطة الشك والحذر، فماذا استفاد السودان من علاقتكم هذه؟ ــ الإخوة الارتريون دعموا الشعب السوداني ووقفوا بجانبه، وللأسف كل الحركات التي وجدت في اريتريا ملاذا آمنا عندما ضاقت بها ارض السودان بما رحبت، تجاهلت اريتريا التي تعرضت وهى الدولة الفقيرة لحرب شعواء بسبب دعمها للحركات المسلحة التي ادارت ظهرها وتجاهلت المواقف الاريترية، ولم تسع لتجسير هوة العلاقة بين البلدين بعد الاتفاقيات المختلفة التي وقعتها مع الانقاذ، والعلاقة بين السودان واريتريا وبداعي ابتعاد الاحزاب والسياسيين تولى امرها رجال المخابرات في البلدين، وهذا لم يكن في مصلحة العلاقة بين البلدين، لاختلاف نمط التفكير والاساليب بين العسكريين والسياسيين، لتظل العلاقة بين البلدين متأرجحة وكل طرف ينظر شذراً وحذراً الى الآخر، لتغيب الدبلوماسية الشعبية والسياسية. ويجب على كل السياسيين الذين لجأوا الى اريتريا في الماضي، أن يعملوا على تحسين العلاقة بين الشعبين والنظامين.
٭ الى ماذا يقود تولي السياسيين لأمر هذا الملف؟ ــ هذا يقود الى علاقة تقوم على حسن الجوار والتداخل الشعبي وتبادل مصالح اقتصادية في حدود مرنة، وايضاً تساعد على تبادل ثقافي وتواصل اجتماعي، ومن مصلحة النظامين أن تتحسن العلاقة على الاصعدة كافة والابتعاد عن نظرية المؤامرة. ونطمئن الدولة الاريترية إلى ان السودان ليست له مطامع اقليمية، وهذه حقيقة نؤكدها رغم اختلافنا مع الحزب الحاكم بالسودان، ولكن من المهم جداً لاريتريا، واكرر بل من الضروري، ان تطمئن الشعب السوداني إلى أنها ليست لها مطامع في السودان.
٭ ولكن البعض يؤكد أن لاريتريا أطماعا وأجندة في السودان؟ – هذا مجرد انطباع، والبعض يشير الى ان اريتريا تستغل التداخل القبلي لتنفيذ اجندة ضد استقرار السودان، وعلى اريتريا ان تخرج من خط التعامل الاستخباراتي مع السودان الى آفاق التعامل السياسي الذي يتيح لها تأكيد انها لا تشكل خطرا على السودان، وهذا الامر يحتاج لعمل سياسي، ولكن للاسف فإن عقليات من يسيطرون على مقاليد الحكم في البلدين تتبع النهج الامني الاستخباراتي في التعامل السياسي، ويجب على الاريتريين بغض النظر عن اي شيء أن يعلموا ان السودان مهموم بقضاياه الداخلية بعد انفصال الجنوب، وتواتر انباء عن مطالب حكم ذاتي بجنوب كردفان والنيل الازرق و..
٭ «قاطعته» هل هناك دعوة لانفصال الشرق؟ ــ هناك حقيقة يجب أن يعلمها الجميع، وهي ان سكان الشرق الاصليين لم يدعوا طوال تاريخ السودان للانفصال، وهم ضد هذه الفكرة جملةً وتفصيلاً، ولا يتخيلون أنفسهم بعيداً عن السودان لأنهم جزء اصيل منه، والدليل على ذلك أننا اهل الشرق وفي أحلك ايام الكفاح المسلح لم نورد في ادبياتنا مجرد فكرة تقرير المصير، والمؤتمر الوطني بالبحر الأحمر هو الذي طالب بانفصال الشرق ويسعى لذلك.
٭ وما هي مصلحته وهو الحزب الحاكم في ذلك؟ – مصلحته أن ينقل ملف دارفور الى الشرق، وهناك خطأ كبير وقعت فيه الانقاذ مازالت تدفع ثمنه وكذا نحن بصفتنا مواطنين بل حتى الاجيال القادمة، ويتمثل ذلك الخطأ في أن التعدد الاثني والقبلي والديني والثقافي الذي يميز السودان في نظرهم يجب ألا يستمر، وانه لا بد أن يتباعد الجميع ويتفرقوا ويختلفوا حتى تتمكن الانقاذ من البقاء اطول فترة في الحكم، وتكون هي المرجعية في المركز لحل القضايا والخلافات التي تنشأ بين المكونات المختلفة، وبذلك تحكم قبضتها على السودان، والآن هناك جهات في المؤتمر الوطني تستفز قبائل عريقة بالشرق حتى تذهب الى المركز، ويقال لقادتها انتم «ناسنا» ولستم بجا، وانتم قبائل عربية اصيلة وهكذا. وللاسف الانقاذ لم تستفد من التباين الثقافي والديني والقبلي الذي جعل امريكا الدولة الاولى في العالم، وعملت على تفريق القبائل بمسميات عربية احدثت شرخاً في تماسك أهل دارفور والآن يطبق السيناريو بالشرق.
٭ كيف تقرأ مطالب قبيلة الأمرار بقيام ولاية ساحلية أو التبعية لولاية نهر النيل ؟ – مسألة مؤسفة أن يصل الامر باعرق القبائل المعروفة بالشرق الى مرحلة التفكير في الانتماء لولاية غير شرقية، والامرأر قبيلة كبيرة ومنتشرة في كل انحاء الشرق، وهي الثانية من حيث الكثافة العددية، ويتميز افرادها بالتحضر والتمدن والتعليم، ويمثلون واجهة ثقافية لشعب البجا، والظلم والتهميش الذي تعرضت له بولاية البحر الاحمر دفعها للشكوى الى المركز الذي وجد فرصة جديدة لاضعاف الشرق، ولم يتعامل مع الأمر بمسؤولية وطنية حقيقة، فقال للقبيلة انتم عبدلاب وافضل لكم الانتماء لولاية نهر النيل، ولكن اقول ان ما يربط بين قبائل الشرق اقوى من ممارسات المؤتمر الوطني الذي يعمل على إثارة الفتنة، وستظل هذه القبائل عصية على تنفيذ مخططات المؤتمر الوطني.
٭ لماذا تقدمت باستقالتك عن مؤتمر البجا؟ ــ لم يأتِ وقت الإفصاح عن ذلك بعد، وحتى الآن لم يتم قبولها.
٭ ما هي أسباب الخلاف الحاد بين مؤتمر البجا ووالي البحر الأحمر؟ – الخلاف بين مؤتمر البجا والأخ محمد طاهر إيلا هدف سعى له المركز بكل قوة وعمل على إذكاء نيران الخلاف، وذلك لأن الوالي بجاوي، وكما قلت سابقاً فإن المؤتمر الوطني لا يريد وحدة البجا، والأخ إيلا في يوم من الأيام كان داعماً للكفاح المسلح ومن المؤيدين له، وبعد توقيع الاتفاقية سألنا ومعه عدد من قيادات الشرق بالمؤتمر الوطني الذين كانوا يتولون وقتها مناصب وزارية عن مستقبلهم، فكان أن ضمنا في الاتفاقية أن المناصب التي يتولاها أبناء الشرق تعتبر جزءاً من الاتفاقية، وكان وقتها إيلا والياً للبحر الاحمر وإبراهيم محمود حامد والياً لكسلا، ووزير الزراعة وقتها كان أمين كباشي، وأعود وأقول إن الصراعات بيننا وايلا لا تقوم على أساس وأسباب مقنعة، والمؤتمر الوطني أراد أن يعمق الخلافات بيننا، واعترف بأنه نجح في ذلك، وأصبح إيلا عدونا الأول، ومؤتمر البجا عدو إيلا الأول
[/JUSTIFY]
Exit mobile version