عبد اللطيف البوني

شِن جَدَّة على المَخَدَّة؟


[ALIGN=CENTER]شِن جَدَّة على المَخَدَّة؟[/ALIGN] حيَّا الله ذكرى أيام مضت كنا فيها واقعين تحت تأثير المد اليساري رغم أننا لم نكن أعضاءَ ملتزمين بعضوية أحزابه، فالمد اليساري كان كاسحاً؛ وكان جاذباً؛ وكان مقنعاً، فمن هتافات تلك الأيام المحببة (لن يحكمنا البنك الدولي) و(داون داون يو إس إيه) أي تسقط تسقط الولايات المتحدة، فاستدار الزمن وعشنا وسمعنا بواقع الحال وليس لسان المقال هتافاً يقول:(لن يحمينا إلاّ البنك الدولي) و(لونق ليف لونق ليف الولايات المتحدة) أي عاشت عاشت الولايات المتحدة. إلاّ قل لي بربك ماذا تفسِّر سعادة الأحزاب السودانية حاكمة ومحكومة بمواقف الولايات في الشؤون السودانية التي تتوافق ومواقفها لا بل أصبح الموقف الأمريكي هو المرجَّح في نفاذ السياسات، فمثال لذلك عندما صدر تصريح من مركز كارتر يطالب بتأجيل الانتخابات في السودان، تلقفت المعارضة هذا التصريح ووضعت التأجيل في رأس شروطها التي لن تشارك في الانتخابات إلاّ به، ولكن ما أن صرّح الجنرال غرايشن بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها إلاّ رجَّحت كفة الجانب الآخر، أي الجانب الحكومي. عودة لما بدأنا به هذا المقال، ففي الذاكرة من التربية اليسارية المعادية للإمبريالية مقولة الشاعر الفذ والمفكِّر السوداني الراحل المقيم صلاح أحمد إبراهيم، فحواها إذا أردت أن تقف مع الحق، فانظر أين تقف أمريكا وقف على النقيض منها. ولكن المعلوم اليوم أنّ اليسار السوداني بشقيه الحقيقي والجزافي الذي يقاطع الانتخابات ليس نكاية في أمريكا لأنّ ذات اليسار سعى لكسب الموقف الأمريكي إلى موقفه. لابد للمراقب أن يتوقف عند تطابق المواقف من الانتخابات بين المؤتمر الوطني الحاكم والولايات المتحدة بعد عشرين سنة من المكاجرة و(الكجنة) بضم الجيم، فما هي الحيثيات التي قام عليها هذا التطابق؟ أو كما تقول نساء أم درمان (شِن جدة على المخدة.. كيس جديد ولاتنجيد؟) الشيء المعلن أنّ أمريكا يهمها استفتاء الجنوب الذي يتوقف تنفيذه على هذه الانتخابات، فهي مثل الحركة الشعبية لاتهمها الانتخابات بقدرما يهمها الاستفتاء، الذي يشترط الدستور أن تقوم به حكومة منتخبة في الجنوب. فانتخابات الشمال ليست موضوع ذي بال بالنسبة لها، ولكن رغم ذلك صرّح فيليب كراولي الناطق باسم الخارجية الأمريكية أنّ الإدارة الأمريكية تتفهَّم موقف المعارضة السودانية الذي يطالب بانتخابات نزيهة، وترى أنّ مطلبها بالتأجيل لعدة أسابيع مطلب مشروع، فأصبحت أمريكا تمسك بكل ألوان الطيف السياسي السوداني من تحبه ومن لاتحبه، وبالتوازي السؤال الذي يطرح نفسه هنا تطابق الموقف الأمريكي مع المؤتمر الوطني حول الانتخابات.. هل هو أمر عارض وبعد انتهاء الانتخابات ستكون (العداوة في محلها)؟ أم سيكون مقدمة لقصة ريدة جديدة وإن جاءت متأخرة؟ هناك احتمال بأنْ تكون أمريكا مخططة للإمساك بالحكومتين السودانيتين المرتقبتين بعد يناير 2011، أي بعد الانفصال فكجنة أمريكا للمؤتمر الوطني قائمة أساساً لموقفه من الجنوب، فالحركة الشعبية كانت تغذِّي هذا العِداء، فبعد استقلال جنوب السودان يصبح ليس هناك مبرر لاستمرار العداء، لاسيما وأنّ الوطني قدّم وسيقدّم لأمريكا كلّ ما في وسعه من خدمات. والمعروف أنّ الريدة التي تأتي بعد تمنُّع تكون دائماً قوية، ولكن مشكلتها أنها ليست متكافئة، فالحكاية تنجيد وليست (كيس جديد).

صحيفة التيار – حاطب ليل – 8/4/2010
aalbony@yahoo.com