عبد اللطيف البوني

الإنقاذ في نُسختها الثالثة


[ALIGN=CENTER]الإنقاذ في نُسختها الثالثة[/ALIGN] الانتخابات التي انتهت قبل يومين والتي لاترقى للمعايير الدولية- كما قال الخواجات – قاطعها البعض واشترك فيها البعض؛ ولكن نصابها كان قانونياً ليس لأنّ الأحزاب المقاطعة فشلت في إقناع المواطنين على مقاطعتها؛ بل لأنّ هذه الأحزاب كانت غائبة أثناء فترة التسجيل؛ بينما الحزب الحاكم الذي خاض الانتخابات كان متحفِّزاً لها منذ مرحلة التسجيل؛ وبالتالي يكون من الطبيعي أنْ يعود بمن سجّلهم لمراكز الاقتراع. المهم في الأمر مهما أسهبنا في وصف هذه الانتخابات ومهما اختلفنا في تقييمها؛ إلاّ أننا لابُدَّ من القول أنها قد أفرزت مشروعية جديدة مهما كان رأي الناس في هذه الشرعية معدومة أومنقوصة أو كاملة الدسم؛ وهذا بحكم الأمر الواقع. قل لي كيف؟ أقول لك فجر يوم الجمعة الموافق ثلاثين يونيو من عام ألف وتسعمائة وثمانين وتسعة؛ استقيظ أهل السُّودان على نظام حكم جديد عبر انقلاب عسكري، وبما أنّ أهل السودان متعودين على هذا النوع من الحكم؛ استسلموا للأمر الواقع وأصبح الحاكم يحكم بشرعية القوة الانقلابية واسم الدلع لها الشرعية الثورية، وهي تتلخَّص في أنّ الحاكم لايُسأل عما يفعل وهو يسأل المحكومين بغض النظر عن من يقف خلف هذا الحاكم العسكري؛ شيخاً كان أم حزباً أم شبحاً. واستمرت هذه الشرعية الثورية ذات الظاهر العسكري والباطن المدني إلى عام ألفين، حيث تحققت المقولة (أذهبُ أنا إلى السجن حبيساً؛ واذهب أنت إلى القصر رئيساً). ولكن الشرعية الثورية مستمرة و(الزول داك يطلع بره). في يوليو من عام ألفين وخمسة بدأ تنفيذ اتفاقية السلام الشاملة المصطلح عليها باسم نيفاشا، والتي هي عبارة عن قسمة سلطة وثروة بين اثنين من المتحاربين”الدولة السُّودانية ممثلة في الإنقاذ والمتمردين عليها في الحركة الشعبية لتحرير السُّودان”. فهذه شرعية جديدة فرضتها قوة دولية وبموجبها أصحبت لـ(فيلة الإنقاذ رفيقة) وهي الحركة الشعبية؛ فاقتسمت السُّلطة بنسبة 52 . 28 . 14. 6. كما تم اقتسام الثروة في النص بين الشمال والجنوب، ولكن في الواقع بين المؤتمر والحركة. استمرت هذه الشرعية إلى قيام الانتخابات الأخيرة التي يعتبرها البعض (مضروبة). إذن ياجماعة الخير إنّ الإنقاذ مرت بشرعيتين؛ شرعية ثورية وشرعية دولية؛ في الأولى كانت منفردة وفي الثانية كانت بشراكة متشاكسة مع الحركة. أمّا بقية الأحزاب ظلت متفرجة في الشرعيتين وهاهي الإنقاذ أمام شرعية جديدة أقرب للشرعية النيفاشية السابقة مع فرز جديد؛ إذْ أصبح للمؤتمر الشمال وللحركة الجنوب؛ وتظل بقية الأحزاب متفرّجة كما كانت في المرتين السابقتين. السؤال هنا ماذا ستفعل الإنقاذ في الشرعية الجديدة؟ هل ستستمر بعقلية من ليس معنا فهو ضدنا؟ هل سوف تبقى على فكرة (حدها عيسى)؟ أغلب الظن أنها لن تستطيع أن تفعل ذلك لأسباب موضوعية؛ ولعل أهمها أنّ الحِراك السياسي الذي أحدثته الإنقاذ أخرج عفريت السياسة السُّودانية من قمقمه ويصعب إرجاعه لها؛ فسقف الحرية قد اتسع وأصبح حقاً مكتسباً، وبالتالي سوف يصعب على الإنقاذ الحكم في جنح الدُّجى، وستكون خاضعة لمراقبة شديدة من الشارع ومن الصحافة ومن الأحزاب التي فركت عينيها من النُّعاس. كما أنّ التحدِّيات التي تواجه الشرعية الثالثة كبيرة جداً؛ ولعل أهمها وحدة البلاد التي قيل أنها بيعت مقابل الانتخابات. وهناك خوف مشروع على دارفور من مرض تقرير المصير؛ كلُّ هذه العوامل وغيرها تجعلنا نتكهَّن بأنْ تكون شرعية الإنقاذ الثالثة مختلفة عن الشرعيتين السابقتين طوعاً أو كرهاً.

صحيفة التيار – حاطب ليل – 19/4/2010
aalbony@yahoo.com