الطاهر ساتي

داء الرق النفسي …!!

[ALIGN=JUSTIFY]** عاد منتشياً إلى داره آخر النهار فوجد رهطا من الأهل والمعارف ، فأراد أن يجرب فيهم هوايته المفضلة .. المباهاة باللاشئ .. وكان فرج الله هكذا دائما ، يتباهى باللاشئ عندما يجد مجلسا مهذبا رواده .. كان بالكاد يفك الحرف ، ولكن عاما قضاه باحدى مدائن البلد حوله في بعض مجالس تلك القرية إلى أعلم أهل الأرض جميعا.. يفتي في الدين بغير علم ، في السياسة بكامل الجهل ، في الرياضة بلا تمييز بين الحارس والحكم ، بل حتى في علم الفلك كان يبدي بعض الرأي .. ولأن الناس في مجالس قريته كانوا غابة من الياسمين والريحان ، لم يكن فرج الله يجد عسرا في السيطرة على تلك المجالس بنوع الحديث الذي كل حرف فيه كان ينطق عن الهوى فقط لاغير .. المهم .. عاد ذات مساء إلى داره فوجد الأهل والمعارف ينتظرون بعضا من المباهاة باللاشئ .. لم يكن يعلم بأن جمع الحاضرين يضم شابا ملما ببعض أبجديات الحياة المعاصرة ، لم يتحسب لذاك الشاب ، فشرع يثرثر ويثرثر ويثرثر .. ثم فأجاهم بالحديث عن العواصم الأفروعربية وشوارعها وأسواقها وكأنه من أهلها ، وكاد أن يختم الحديث بعد أن نسب الدوحة الى سوريا واعتبرها عاصمتها الاقتصادية ، ولكن الشاب الذي ظل صابرا طوال ساعات الثرثرة فقد صبره وأخبره بأن الدوحة عاصمة قطر وليست سوريا .. عم فرج الله لم يعجبه التصحيح والحرج ، فصاح في الشاب : « انت عوير ولاشنو .. الدوحة دي في زمنا كانت عاصمة سوريا ..» .. ثم واصل مستدركا : « احتمال في زمنكم ده بقت عاصمة قطر ..» ..!!
** عليه رحمة الله ، مات عم فرج الله .. ولم يعد اسمه مذكورا في مجالس تلك القرية .. ولكن الفقيد – حسب ظني – أورث طرائق تفكيره وبعض أساليبه في الحياة العامة لبعض مثقفي هذا البلد الطيب أهلها .. أكرر .. لبعضهم وليس لكلهم .. ولكي تعرفهم – يا عزيزي القارئ – تابع اكتشافهم الجديد لشعر الراحل محمود درويش ،عليه رحمة الله .. تابع النقد العميق بصمت ، ولا تكن كذاك الشاب ، بل كن طيبا ومهذبا كمجالس عم فرج الله ..!!
«2»
** وحكاية أخرى .. سردتها قبل نصف عام تقريبا ، ولكن بعض الحال المائل يلزمني باعادتها .. جاء بها ابنها من تلك القرية البعيدة لعملية عيون أو ماشابه تلك .. مكثت في المدينة شهرا وآخر .. ثم غادرت إلى ديارها بعد أن حفظت كلمة واحدة من أحاديث المدينة الفصيحة .. وهى كلمة « فجأة » .. هناك فكرت في تشكيل جملة مفيدة أساسها تلك الكلمة اليتيمة حتى لا يذهب الظن بجاراتها بأنها « مشت طرد ورجعت طرد » .. فكرت … ثم قررت التنفيذ ذات صباح ، حيث رفعت رأسها فوق الجدار الفاصل وصاحت في جارتها : « يا نبوية ..عليك الله ناوليني شوية ملح و.. فجأة كمان شوية شطة يا بت أمي ..» .. وتنفست الصعداء بمظان أنها أنجزت ..!!
** جارة نبوية لم تكن تعلم بأن الكلمة المناسبة إذا ضلت الجملة المناسبة تحدث شرخا في النطق والفهم .. وهكذا حال بعض شركات الإنتاج الفني مع ظاهرة استجلاب الممثلين العرب لحشو بطون الدراما السودانية .. ما لم تضع الشركة العربي المناسب في الدور المناسب يصبح الشرخ واضحا كما الحال في مسلسل عثمان دقنة الذي لم يتابعه السواد الأعظم من الشعب السوداني ، وكذلك لم يترك أثرا على مساحات النقد المتاحة لنقاد الفن في صحفهم .. بطل المسلسل التاريخي كان مصريا ، وليس في هذا مايعيب لو أحسنوا الاختيار ، ولكن البطل الذي مثل بعثمان دقنة معروف بأدوار الكومبارس في بلاده .. كان يجب أن يكون هناك عقل يخبر المستوردين بأهمية استيراد أبطال معروفين بدلا عن ذاك « الفاقد الفني » .. المهم … قناة ساهور تريد أن تستجلب أيضا رهطا من العرب في عمل آخر .. ننتظر العمل .. ونأمل الا يطل كنطق تلك المرأة ..!!
«3»
** الرق النفسي أخطر أنواع الرق … و هو الإحساس بالدونية أمام الآخرين ، رغم أنف عناصر القوة التي تضج بها نفسك وثقافتك ..!!\
إليكم – الصحافة -الخميس 14/8/ 2008م،العدد5444
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]