تحقيقات وتقارير

مناوي .. هل يعود عبر (شنقل طوباية)..؟

[JUSTIFY]منذ أن نقلت الصحف على صدر صفحاتها الأولى صورة مصافحته الشهيرة لزعيمه السابق عبد الواحد محمد نور، التي أعادت للأذهان مصافحته للرئيس الأمريكي بوش عام 2006على شرف توقيع اتفاقية أبوجا، لم يسمع أحد شيئاً يذكر عن مني أركو مناوي، كبير مساعدي رئيس الجمهورية سابقاً، والقائد الميداني الأبرز في حركة جيش تحرير السودان سابقاً، وزعيم جناح في ذات الحركة لاحقاً، الذي خرج من القصر الجمهوري إلى دارفور، ومنها إلى الجنوب، حيث راح يطلق من هناك تصريحات عديدة، يصب معظمها في خانة إبداء استعداده لخوض أي حرب.
—-

شنقل طوباية

الحرب، ومعها مناوي، قفزا إلى عناوين الصحف مجدداً قبل يومين، عندما شنت مجموعة من مسلحي حركة مناوي هجوماً خاطفاً على منطقة شنقل طوباية قرب الفاشر بولاية شمال دارفور، استخدموا فيه (التاتشرات) والجمال، وراح ضحيته العشرات بين قتيل وجريح، منهم جنود نظاميون، ومواطنون، فضلاً عن إحراق العديد من المباني، ونفوق أعداد لا يستهان بها من المواشي، ما يدفع للتساؤل: هل سيعود مناوي إلى صدارة المشهد العسكري في دارفور عبر نافذة شنقل طوباية..؟
الهجوم على شنقل طوباية، يعيد للأذهان هجوم حركة تحرير السودان على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في العام 2003م، عندما اقتحمت قوات الحركة المدينة في عملية خاطفة، ووصلت المطار، وتمكنت من أسر ضابط كبير في القوات المسلحة، وقتل آخرين، ليشكل ذلك وفق كثيرين ضربة البداية الحقيقية لضربات الحكومة المركزية التأديبية ضد الحركات المسلحة، فاقتحام الفاشر وأسر جنرال حكومي كبير كان بمثابة الإلقاء بقنبلة ضوئية في ليل حالك، قادت إلى لفت الأنظار المحلية والأجنبية إلى ما يجرى في الإقليم.

وجه شبه

وجه الشبه بين الهجومين، أن كلاهما أتى بعد فترة هدوء نسبي، فقبل هجوم 2003 كانت العمليات التي تقودها الحركات أصغر حجماً وتستهدف مناطق بعيدة نوعاً ما، وقبل هجوم شنقل طوباية ساد نوع من الهدوء الأمني في الإقليم، تقطعه بين فينة وأخرى المواجهات القبلية، ومعارك الجيش مع عناصر حركة العدل والمساواة، ونادراً مع عناصر تنسب لحركة مناوي نفسها، ليأتي الهجوم الأخير، الذي أسفر عن وقوع العشرات، ويدفع للتساؤل: هل يمكن مقارنته فعلاً بهجوم الفاشر 2003 واعتباره علامة فارقة في المواجهة بين الحركات والخرطوم.
لكن مناوي في واقع الأمر، لم يعد ذلك القائد الميداني القوي الذي كانه في الماضي، والحكومة لم تعد تلك الحكومة التي لا تعرف غير حل المشكلات بالقبضة الأمنية، فمني، انشقت عنه العديد من قياداته، ولا يزال مكانه مجهولاً بين جوبا ويوغندا، أما الحكومة فقد تعلمت الكثير من الدروس من سنوات الحرب، وباتت تسعى لإشراك أهالي الإقليم في قضيتهم، ما قاد لانخفاض أسهم الحركات بين السكان، ورسم صورة واضحة لمعادلة بين الحرب والرعب، وبين السلام والأمان.
أهل الإقليم، والمقاتلون أنفسهم، سئموا من القتال كما يؤكد البعض، ويقول مصطفى تيراب الأمين العام السابق لحركة مناوي إن تجدد القتال في دارفور غير وارد، فالوضع السياسي للحركات لم يعد كما كان قبل أبوجا، عندما كانت تتلقى دعماً دولياً كبيراً، وكان لها سند جماهيري داخل الإقليم، وكانت خطوط إمداداتها العسكرية مفتوحة على أكثر من دولة مجاورة، ويتابع: إن كل ذلك لم يعد موجودا، فضلاً عن غياب الزخم الإعلامي الأجنبي والعمل المنظماتي الكثيف حينها، ويضيف: (الناس ملت الحرب، والجنود أنفسهم يشعرون أنهم لم يجنوا منها شيئاً).

فرضيتان
سيناريو عودة القائد العسكري المحنك سابقاً مني أركو مناوي إلى ميادين القتال بزخم قريب من زخمه القديم، يقوم على فرضيتين، أولاهما إمكانية التحام قوات مناوي وعبد الواحد مع قوات عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، مع احتمال لحاق عناصر العدل والمساواة بهذا التحالف العسكري حال قيامه، والفرضية الثانية، تلقي هؤلاء جميعاً أو بعضهم دعما من جوبا، أو من يوغندا عبر الجنوب، ما يمكنهم من تفعيل العمل العسكري ضد الخرطوم في جبهة واسعة تمتد من تخوم الجنوب إلى دارفور.
فرصة حصول مناوي وقواته على مدد جنوبي كبير ومتصل تبدو ضئيلة للغاية، فالحركة رغم أبوتها التاريخية لحركات دارفور المسلحة، خاصة حركة تحرير السودان بمختلف أجنحتها، تحت لافتة قوى الهامش والسودان الجديد، إلا أنها مقبلة على مهمة عسيرة، هي بناء دولة جديدة في الجنوب، ويقول مصطفى تيراب (إن كان هناك من يظن أن القتال سيتجدد في دارفور بدعم جنوبي فهو على خطأ، فالإخوة في الجنوب يريدون التفرغ لبناء دولتهم، والقيادة السياسية في جوبا ذكية وتعرف كيف ترتب أولوياتها وتؤمن مصالحها).
لا شك أن مني أركو مناوي، وزعيمه السابق عبد الواحد محمد نور الذي صافحه أمام عدسات الكاميرا مؤخراً بعد طول قطيعة، ورغم قلة حيلتهما العسكرية حالياً، مقارنة بمرحلة ما قبل أبوجا على الأقل، يمتلكان حتى الآن قدراً من الثقل السياسي والقبلي كذلك، وهو ما دفع بعبد الحميد كاشا والي جنوب دارفور للقول مؤخراً بأنه على استعداد للتنازل عن كرسي الولاية لصالح عبد الواحد إذا أختار الأخير السلام والاستقرار، ما يعني أن مناوي، الزعيم العسكري التاريخي لحركة تحرير السودان، ونور، الزعيم السياسي التاريخي لها، ربما يعودان بالفعل إلى المشهد في أية لحظة، لكن عبر نوافذ المفاوضات والعملية السلمية، وليس عبر نافذة الحرب والهجمات العسكرية الخاطفة، على شنقل طوباية، أو أية منطقة غيرها.
[/JUSTIFY]

صحيفة الصحافة