الطاهر ساتي

الذرة و… موت البعض جوعاً …!!

[ALIGN=JUSTIFY]** إنتاج الموسم السابق لم يكن قليلا ، ومع ذلك ارتفع سعر الذرة ولايزال يرتفع ، وموسم حصاد هذا العام ليس على مرمى شهر أو اثنين، والله يعلم كم يصل سعر الجوال لحين موسم الحصاد، وهل سيكتفي الموت بالواحد والعشرين الذين ماتوا – جوعا – بالجنوب ، أم أن مقابر الجوع تنتظر آخرين في تلك الأرياف البعيدة عن أعين الإعلام و (زعماء السودان الجديد ) ..فالعلة لم تكن في الإنتاج ، بل كان الإنتاج وفيرا وسعر الجوال زهيدا بحيث كان دون العشرين جنيها في بعض مناطق الإنتاج ، والآن يتراوح مابين المائة ونصفها .. فالسؤال ، ماذا حدث للإنتاج الوفير ، ولماذا ارتفع السعر الذي كان زهيدا ..؟.. والإجابة – بكل بساطة هي – سوء الإدارة .. أي ، الحكومة – ممثلة في وزارة المالية وهيئة المخزون الاستراتيجي – لم تحسن إدارة إنتاج ذاك الموسم الوفير .. ولم تتحسب لما يمكن أن يحدث في هذا الموسم ، وقد حدث ، حيث الخريف ليس على مايرام ، ومساحات مقدرة خرجت من دائرة الزرع إلى دائرة البور والتوجس ، كما في المناطق الشمالية لولاية القضارف ( سلة هذا الغذاء ) .. حكومة الشريكين لم تتحسب لكل هذا ، ربما لأنها حكومة قدرية ولاتبالي بالاستراتيجيات ، لتحرص على نهج رزق اليوم باليوم ، هذا النهج الذي دائما ما يرسل سيل المفاجآت إلى البلاد من كل فج عميق ، ومن حيث لايحتسب العباد .. وما سعر الذرة إلا نموذجا .. !!
** كيف أخطأت الحكومة في إدارة الإنتاج الوفير ..؟.. سؤال مشروع يتبادر في ذهن كل قارئ نسى أوتناسى أن حكومته تباهت قبل نصف عام تقريبا بانها باعت مائتي ألف طن من الذرة لبعض دول الجوار بسعر زهيد ..خصما من المخزون الاستراتيجي للبلاد .. لقد فعلتها وزارة المالية رغم تحفظ هيئة المخزون الاستراتيجي .. وما كان عليها أن تفعل ، بل كان عليها أن تتحسب ليوم كهذا ، حيث يرتفع فيه السعر وتتوجس فيها الأرض حين لا تظلها سحب الخريف ، ويموت فيه المواطن بالجنوب جوعا .. والمدهش أن حكومة الجنوب هناك تذكر أرقام الموتى بلا حياء – وكمان – تحذر من المزيد .. ولا ندرى لماذا يحذرون من جنرالات نفط الجنوب وفساد في حكومتهم لم يعد يزكم الآنوف فحسب ، بل يعمي الأبصار حين تصرح – وتصرخ – به ربيكا قرنق وآخرون ..؟.. وكيف تموت رعيتهم جوعا وخير نفطها سرطن قاعة مؤتمرهم – المسمى بالعام – وأورمها بالحشد الخاص قبل زمان موت الرعية بقليل ..؟..وهل قدر المواطن الجنوبي أن يموت بالرصاص في زمان الحرب وبالجوع في زمان السلام والنفط ..؟.. ما الذي يمنع حكومة الجنوب من الإنتاج ، فالسلام هنالك وكذلك الأرض والنيل و( عائد الخمسين في المية ) ..؟.. لا شئ يمنعها غير ضعف الإرادة الوطنية وترقب منح ( مؤتمر المانحين ) .. عفوا عزيزي القارئ ، لم نخرج عن النص ، ولكن التفاصيل المؤلمة هي التي ترسم أصل النص ..!!
** المهم .. بجانب البيع خصما من المخزون ، لم تلتزم المالية أيضا بدفع كل مستحقات المزارعين للمخزون الاستراتيجي .. لم تلتزم .. فمنذ موسم العام 2006 والى هذا الموسم لم يستلم بعض المزارعين كل أثمان زرعهم .. وحقوقهم التي بطرف هيئة المخزون الاستراتيجي – منذ موسمين – تبلغ اليوم 23 مليار جنيه .. ووزارة المالية هي سبب تراكم تلك الديون موسما تلو موسم .. وإذا كان المزارع يزرع و ينتج ثم تأتي مؤسسات الحكومة وتشتري إنتاجه ولا توفي بالثمن ، فكيف له أن يتحفز ليزرع وينتج مرة أخرى ..؟.. وهكذا كان حديث الأمين العام لاتحاد مزارعي القضارف ضحى الأمس في الإذاعة السودانية ، حيث ذكر نصا بأن عدم التزام المخزون الاستراتيجي بتسديد ما عليه للمزارع يؤثر سلبا على الموسم الزراعي .. لماذا لا تلتزم المالية تجاه المزارعين ..؟.. ولماذا ترغم مدير المخزون الاستراتيجي – بدوي الخير إدريس – على تقديم الاستقالة تحت ضغط مستحقات المزارعين .. ؟.. وإن كان لابد من استقالة في قضية كهذه فيجب أن تقدمها الجهة التي تعجز عن دفع المستحقات ، والجهة ليست المخزون الاستراتيجي ، بل هذه مسؤوليتها لا تتجاوز ( أجر المناولة ) .. وثمة ملاحظة في هيئة المخزون الاستراتيجي بالبلاد ، حيث أن هيئة كهذه في بلاد العالم هيئة مستقلة تتبع – إدارة وإشرافا – لرئاسة الدولة ، وليست تابعة لوزارة المالية كما هو حال هيئة مخزوننا الاستراتيجي .. وهكذا .. ليست العوامل المناخية وحدها هي التي تحدث الفجوات الغذائية ، بل في غض النظر عن النهج الاستراتيجي تكمن ..( الفجوات والغلاء ) ….!!

إليكم – الصحافة -السبت 16/8/ 2008م،العدد5446
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]