جعفر عباس

الامتحان كمان وكمان

[ALIGN=CENTER]الامتحان كمان وكمان [/ALIGN] تحملوني للمرة الأخيرة وأنا أتناول موضوع الامتحانات، وأعلم أنني وفي مثل هذه الأيام من كل عام ألت وأعجن حول هذا الموضوع، وسأظل أفعل ذلك لأن الامتحانات تشبه القضية الفلسطينية: لا يوجد إجماع حول سبل الخروج منها، وإن كان هناك إجماع على “أهميتها”، وسأظل أردد أن أهم قرارين يتخذهما الإنسان بعد بلوغ سن الرشد هما: ماذا أدرس في الجامعة وبمن أتزوج؟ السؤال المتعلق بالزواج لا أملك الإجابة عليه، فأنت تعرف مواصفات شريك الحياة المرتقب، وقد تجد شخصا تتوافر فيه تلك المواصفات وقد تضطر الى تقديم تنازلات لأن حق تحديد المواصفات ووضع الشروط ليس بيدك أنت وحدك فالطرف الآخر أيضا له وجهة نظر (هذا بافتراض أن الأهل لن يشاركوا في تحديد المواصفات).
ماذا تدرس في الجامعة؟ هذا قرار تستطيع ان تتخذه بنفسك، ولكن الأمور ليست سائبة وعلى كيفك!! يعني يجب ان تتوافر لديك شروط القبول في الكلية التي ترغب في الالتحاق بها، وكي يحدث ذلك لابد أن تركز على المواد التي تؤهلك لدخول تلك الكلية منذ السنة الأولى في المرحلة الثانوية.. ولابد أن تكون عندك خطة “ب”، فإذا جرت الرياح بما لا تشتهي سفنك، ولم يتم قبولك – مثلا – في كلية القانون، تكون جاهزا نفسيا وأكاديميا لدخول كلية الاقتصاد (مثلا).. وأكثر حالات اللخبطة والخربطة والتخبيص والارباك في موضوع اختيار مادة التخصص الجامعية، يتسبب فيها أولياء الأمور الذين يفرضون على عيالهم ماذا يدرسون من دون كثير اعتبار لرغبات العيال واستعدادهم الذهني والمزاجي.. مثلا في جميع كليات الطب في العالم العربي يغادر الكثير من الطلاب الدراسة نهائيا مع أول درس تطبيقي في التشريح: تعالوا يا بنات.. تعالوا يا أولاد.. اليوم سنقوم بتشريح هذه الجثة للتعرف على الجهاز التنفسي.. نبدأ بالبلعوم ونقطع هنا.. أسفل الفك مباشرة (ويقوم المحاضر بـ “ذبح” الميت) فتتعالى أصوات بوووم.. طب.. طق.. أغمي على 3 من الطلاب وأحدهم أصيب يط في الرأس.. وقد تكون تلك آخر مرة يشاهد فيها طلاب تلك الدفعة زملاءهم الثلاثة أولئك. أقصد أن بنتك أو ولدك قد يكون مؤهلا لدخول كلية الطب ولكن المشكلة تكمن في أنها/أنه لا يمكن ان يتحمل رؤية تقطيع جسم بشري حيا كان أو ميتا (إذا كنت تريد ان تختبر مدى استعداد بنتك لدراسة الطب احضر الى البيت دجاجاً حيا واطلب منها ذبحه فإذا صرخت وهربت من أمامك فابحث لها عن عريس وبلاش جامعة خالص).
في رأيي ينبغي أن تكون للطالب صلاحيات بنسبة 70% في اتخاذ قرار بشأن دراسته الجامعية، والـ30% المتبقية تكون بيد ولي الأمر، لأن الطالب قد يتخذ القرار الخاطئ او يختار المسار السهل وهو قادر على ما هو “أكثر”.. وعلى كل حال فإن الـ30% التي بيد ولي الأمر تتحول بقدرة قادر الى 130%.. وللمرة الـ 3573 أقول: يا جماعة ما يصير كل عيالنا يصيروا أطباء ومهندسين.. وحتى لو “صاروا” فهذه مهن ما عادت “تؤكل عيش”.. الجامعات بها مئات التخصصات، ولا تعايروا من يريد دراسة الفلسفة أو علم النفس أو علم الاجتماع.. كثيرا ما سمع طلاب يدرسون الفلسفة كلاما سخيفا من نوع: يعني تتخرج فيلسوف؟ وما المانع في أن يصبح فيلسوفا؟ الفلاسفة هم الذين صاغوا كل النظريات التي شكلت وغيرت مسارات الحياة في العالم على مر العصور وهم من أسسوا علم المنطق الذي لا غنى عنه في دراسة العلوم الطبيعية والتطبيقية.. أن تفرض على الولد أو البنت تخصصا لا يرغب فيه كأن ترغمه على زيجة هو غير مقتنع بها والمصير في الحالتين “الفشل”.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com