[ALIGN=CENTER]صفوف عينة [/ALIGN]
منذ منذ منتصف السبعينات ومع تطبيق (روشتة) صندوق النقد الدولي المتمثلة في تعويم العملة المحلية، وتحرير السوق، ورفع يد الدولة عن الخدمات، وعدم دعم السلع، ورفع الحماية الجمركية، بدأت الصفوف البشرية تظهر أمام المخابز وطلمبات البنزين وغيرها من أماكن تقديم السلع. واستمرت الصفوف في التنامي على أيام الديمقراطية الثالثة، وبلغت الصفوف مداها في أول سنوات الإنقاذ. إنه اقتصاد الندرة. ثم طبقت الإنقاذ ذات سياسات صندوق النقد الدولي ولكن بآليات جديدة قضت على السوق الأسود واستخرجت النفط، فاختفت صفوف الخبز وصفوف البنزين وبقية الصفوف وهذه حقيقة لاينكرها إلاَّ مكابر. ولكن هذا لاينفي أنّ للتضخم، أي ارتفاع الأسعار، دوراً بارزاً في اختفاء الصفوف، فمن أبجديات الاقتصاد أنّ ارتفاع الأسعار يقلل الطلب على السلع، وعندما يطغى العرض على الطلب يحدث كساد وتختفي الصفوف. ولكن وبكلام السياسة قإن الصفوف اختفت ولا أظن أن أي عاقل يتمنى عودتهان ولكن دون شك فإنّ الكل يتمنى أن ينخفض التضخم، وتقل الأسعار، ويزيد الطلب، ويظل السوق متوازناً. مناسبة هذه الرمية الطويلة أنّ هناك صفوفاً طويلة ظهرت في الخرطوم في اليومين السابقين، فقد أُعلن عن خمسة آلاف وظيفة جديدة للخريجين، أها عينك ماتشوف إلاَّ النور (الأعمى شال المكسَّر وهاك يا لجنة الاختيار ) للتقديم؛ فالشابات الخريجات العاطلات صفوف وكذلك الشبان (حلم الجيعان عيش) من صباح الرحمن إلى إغلاق أبواب العمل في المساء، وبعضهم وبعضهنَّ يأتي من الصباح ويزحف في الصف دون أن يصل شباك التقديم ثم يعود اليوم الثاني. حكت إحداهنَّ أنها استمرت على هذه الحال أربعة أيام على التوالي والحال هكذا. حدثت حالات إغماء وسقوط على الأرض ونقل للمستشفى، وقد اكتظت الصحف الخرطومية بهذه المناظر. إنها صفوف العطالة التي أفرزتها (ثورة ) التعليم العالي والاقتصاد الجامد، فالمعلوم أنّ الإنقاذ أسرفت في فتح الجامعات الجديدة، وزادت نسب القبول في الجامعات القديمة، وأدخلت التعليم الجامعي على النفقة الخاصة. يكفي أن نذكر هنا أن الجامعات السودانية تخرِّج الآن سنويا ثلاثة آلاف طبيب وطبيبة بينما وزارة الصحة ليس لديها إمكانية لأن توظف ثلاثمائة طبيب في العام، أما الكليات الاخرى من تطبيقية ونظرية فالحال ليس بأحسن من الطب وإن كان أقل حدَّة؛ فالبيت السوداني يموت من الجوع لكي يكون فيه دكتور أو دكتورة (وهذه قصة أخرى)… بالمناسبة نحن هنا بصدد الكم في التعليم العالي ولسنا بصدد الكيف لأن الكيف هذا سيرة إذا فتحناها فلن نستطيع إغلاقها بالـ(ساهلة). إنَّ الصفوف الجديدة هذه لن تختفي حتى لو استُحدِثت خمسين ألف وظيفة ولمدة خمس سنوات طالما أنّ تراكم عطالة الخريجين مستمر بالمعدل الحالي؛ وسوف تختفي هذه الصفوف بإحدى وسيلتين، إمذا أن تُغلق الجامعات ولعشر سنوات مثلاً وليس هناك عاقل يقول بذلك، أو لا تعلن الدولة عن وظائف جديدة نهائيييييي ولا أحد سوف ينادي بهذا، وليس هناك أمل في أن ينتهي جمود الاقتصاد السوداني أو يحدث ترشيد في الدخول للجامعات فتنتهي العطالة، وعليه سوف تظل هذه الصفوف قائمة وممتدة إلى ما شاء الله.
صحيفة التيار – حاطب ليل- 28/5/2010
aalbony@yahoo.com