عبد اللطيف البوني

الباطنية


[ALIGN=CENTER]الباطنية[/ALIGN] تقول الطرفه إنه في زمن النميري كان هناك موظف صغير يدخل على مكتب المدير بدون أي استئذان ويأمر المدير بفعل ما يحلو له وماعلى المدير إلا التنفيذ لدرجة أن الموظف الصغير كان يجلس على كرسي المدير ويمدد أرجله على التربيزة ويقف المدير إلى جانبه كالتلميذ بين يدى أستاذه وعلم الناس أن هذا يرجع إلى أن المدير عندما (قلب) هاشم العطا الحكومة أعطى الموظف الصغير برقية تأييد لإرسالها للإذاعة ولكن الموظف تلكأ في التنفيذ ورجع النميري وأصبحت البرقية في يد الموظف يبتز بها المدير. مناسبة هذه الرمية أنه في زمن الإنقاذ (هذا) نجد الموظف الذي يجلس على الكرسي وإلي جانبه المدير المرعوب ولكن ليس بسبب برقية بل بتفويض كامل من الحكومة باعتبار أن الموظف من أهل الولاء لذلك يجب أن يكون رقيباً على تصرفات المدير فانتهكت المؤسسية وأصبح عبارة (مركب مكنة مدير) سائدة في كل مرفق بعبارة أخرى إذا ذهبت إلى أي مؤسسة لا تنظر إلى الواجهات الرسمية لتعرف من الذي يديرها بل اسأل عن (الرجل القوي) وقد يكون امرأة (حتى لاتزعل الجندريات ) من الإنقاذ. إن الباطنية هذه أضرت بالخدمة المدنية وأشاعت فيها الفساد الإداري وكافة أنواع الفساد. فالمدير (الأصلي) تحكمه لوائح الخدمة المدنية ويخيفه الظل السياسي ولكن المدير الباطني (الرجل القوي) لاتحكمه لائحة ولا قانون لذلك يكون مطلق السلطات (يسوط ويجوط عل كيفه) مثل ديك العدة وفي تقديري أن هذا هو الذي أدى إلى انهيار الخدمة المدنية مع عوامل أخرى ففي خطابه الأخير وبمناسبة تنصيبه قال السيد الرئيس إن عهده الجديد سوف يشهد تنظيف الخدمة المدنية من الفساد وليبدأ سيادته من هنا من هذه الإدارة الباطنية التي (لخبطت الكيمان). ليت الأمر توقف عند الأفراد فالإنقاذ مارست الباطنية المؤسسية وذلك بصناعة أجسام موازية للأجسام الإدارية القائمة فمثلاً وحدة السدود كان يجب أن تكون وحدة من وحدات وزارة الري ويمكن أن يكون رئيسها وزيراً للري وينفذ كل المطلوب. ولكن (فرزت للوحدة عيشتها) بحجة أنها تابعة لرئيس الجمهورية وظهرت الإشكالات بعد التنفيذ مثل ذلك الذي (راح فيه مكاوي) وحاولت الحكومة إعادة التجربة في الزراعة فأنشأت النهضة الزراعية التي استفاد منها صاحب العمارة الفخمة في الرياض وتجارالكرين وتجار الأثاثات, لا بل سقت المزراعين مقلباً في موسم القمح الأخير (مافي داعي للتكرار). نتمنى أن تبدأ الفترة الجديدة (هذا إذا كانت جديدة) بإصلاح مؤسسي وإصلاح داخل المؤسسات بإنهاء الباطنية ما ظهر منها وما بطن ففي قوانين ولوائح الخدمة ما يكفي لضمان حسن سيرها ودخول السياسة في الخدمة العامة مفسدة كبيرة. فليكن الوزير هو الوزير وله الولاية على شئون وزارته التي حددها الدستور وليكن المدير هو المدير على مؤسسته وليدرها وفقاً للقوانين واللوائح الموضوعة وليترك الناس البحث عن الرجل القوي ولتختف عبارة مركب مكنة مدير فقد ثبت أن العربات المهجنة قصيرة العمر وقليلة الكفاءة وإلا سوف نظل كل عام نرذل.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 1/6/2010
aalbony@yahoo.com