تحقيقات وتقارير
النيل الأزرق وجنوب كردفــان .. في مواجهة الخرطوم
المشورة الشعبية .. التجميد والتأجيل
ومن المعروف أن أتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، كانت خصّت كلا الولايتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) بإستفتاء شعبي تعارف عليه بحق المشورة الشعبية وبحسب أطراف الاتفاقية وضامنيها فإن الهدف من ذلك الحق هو معرفة ما إذا كانت الاتفاقية الموقعة في العام 2005م قد لبت أشواق وتطلعات أهالي الولايتين. وفيما شهدت عملية إستطلاع السكان في النيل الأزرق جدالاً محتدماً أوصل بعض مناصري الحركة الشعبية للمناداة بالحكم الذاتي؛ كانت محصلة ذات العملية المشورة الشعبية- في جنوب كردفان صفرية إذ قطع تمرد القائد عبد العزيز الحلو إحتجاجاً على نتائج الإنتخابات الطريق إمام إستفتاء الأهالي. ومن هنا يمكن أن نخلص إلى وجه الشبه الأول: كلا الولايتين وبسبب الحرب جمد فيهما حق المشورة الشعبية بصورة آلية، وإلى أجل غير مسمى.
أوضاع الحكم
وإستناداً على ذات إفرازات (نيفاشا) ونقصد هنا الانتخابات، نال الفريق مالك عقار منصب والي النيل الأزرق عن الحركة الشعبية بعد صراع كبير مع صنوه من المؤتمر الوطني فرح العقار الذي نال حزبه معظم مقاعد تشريعي الدمازين. ويومها راجت إشاعة عن فواح رائحة طبخة إنتخابية بين الشريكين تقول بتتويج عقار الرافع لشعار (النجمة يا الهجمة) والياً في مقابل ذهاب منصب والي جنوب كردفان للوطني. بيد أن الأيام وحدها عادت وأثبتت خطل تلك الشائعة فعقب انتخابات تكميلية تأخرت عدة أشهر عن الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد نتيجة تحفظات على الأحصاء السكاني فاز مولانا أحمد هارون ممثل المؤتمر الوطني على نائبه السابق الفريق عبد العزيز الحلو عن صفوف الحركة الشعبية وهو ما لم يقبله الحلو الذي خسر حزبه كذلك معظم مقاعد تشريعي جنوب كردفان ما أضطر الحلو لإختيار الطريق المر، طريق الحرب ومستنداً في رفضه على ممانعته لنزع مخالبه في هذه الحالة- سلاح الجيش الشعبي بُعيد إنفصال الجنوب. ومن هنا نتوصل لوجه شبه ثان متمثل في أن الحركة الشعبية تذوقت طعم السلطة في كلا الولايتين، واليوم هي بعيدة جداً عن آنيتها.
إيقاظ المارد
وكما سبق وأن صدرنا التقرير، فإن القوات المسلحة رمت الحركة الشعبية بتهمة إشعال النيران في كلا الولايتين بذات الموقد وهو الغدر بالقوات المسلحة أو أفرادها المنتمين للقوات المشتركة وردت على ذلك بطريقة توحي بعدم التهاون. وذلك بوقتٍ تتهم فيه الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بإستغلال انفصال الجنوب لأزالتها بالممحاة العسكرية وتقول في ذلك الشأن بأن الخرطوم بدأت بتمزيق تعهداتها السابقة باسطة يدها بالقتل. ولكن وفي النهاية فإن كلا الطرفين يؤكد إمساكه بتلابيب الأمور وقدرته على تحقيق الانتصار العسكري، أو الصمود إلى أبد الآبدين.
الرئيس على الخط
ودخل المشير عمر البشير، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة على خط النيل الأزرق بإعلانها منطقة طوارىء ما يغلق الباب تماماً أمام دخول المنظمات الأجنبية التي جأرت الحكومة بالشكوى من ممارساتها فضلاً عن إقالته للفريق عقار وإحلال اللواء يحى حسين محله، وهو الأمر الذي لم يحدث في الحالة الجنوب كردفانية. ولعله ما من سببٍ في التدخل الرئاسي الأخير، سوى سيطرة المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) على مفاصل الأمر في جنوب كردفان وإدراتها مباشرة عن طريق واليه هناك أحمد هارون بينما لا يمكن بحال ترك مقاليد الأمور في يد عقار بعد أن نفض يده عن المركز الذي طالما أتهمه بممارسة التهميش.
وحول إحالة أمر النيل الأزرق لأحد ألوية الجيش فإنه بمثابة رسالة جلية تقطع بجاهزية القوات المسلحة للتصدي لأي هجمات مسلحة، وممانعةً لإحداث أي فراغ يمكن أن تدخل من خلاله الريح.
حروب الجغرافيا
وفي ذات الميدان العسكري، أشار مصدر عسكري وله معرفة وإلمام كبيرين بالنيل الأزرق لتفوق القوات المسلحة الكاسح في الولاية الشرقية راداً ذلك لطبيعة الولاية المفتوحة بجانب إنحسار أمر التمرد فيها على ما مساحته الثلاثين كيلومتراً مربعاً فقط مؤكداً أنه وخلال إسبوع سيتم الحسم لصالح الجيش السوداني. وفي المقابل قال ذات المصدر أن تأخر الحسم في جنوب كردفان راجع لطبيعتها الجبلية التي تساعد الجيش الشعبي على إنتهاج إسلوب حرب العصابات وإتخاذ الملاذات الآمنة بصورة تعوّق عمل الجيش في القيام بعملياته العسكرية التي لطالما تدرب عليها وخاتماً بالتأكيد على أنه لا بد من إخماد تمرد الحلو وغيره وإن طال السفر وذلك على حد تعبيره.
الجيش الشعبي تحت المجهر
وفيما تضع تقديرات غير رسمية أعداد الجيش الشعبي في جنوب كردفان عند عتبات الرقم أربعين الف ينتمي معظمهم لأبناء جبال النوبة تقول تقديرات غير رسمية بأن الرقم ينخفض كثيراً في حالة النيل الأزرق. إنخفاض ليس فقط في العدد ولكن في التأهيل العسكري إذ أن أبناء النوبة معروف عنهم تمرسهم القتالي الكبير بسبب الخبرات المكتسبة إبان سني الحرب الأهلية وهو الأمر الذي لا يتوافر لقوات الفريق عقار التي تروج بعض الشائعات عن إمساك بعض القادة المنتمين لقبيلة الدينكا التابعة لجمهورية جنوب السودان بزمام أمورها العسكرية.
وفيما تكتسب قوات الجيش الشعبي في جنوب كردفان صفة التنظيم فإن قوات الجيش الشعبي في النيل الأزرق تفتقر لتلك الصفة، حيث يسود الولاء القبلي فبإمكان شيخ قبيلة أن يحول ولاءات جنوده من الـ (مع) تجاه الـ (ضد) وفقاً لما يقوله له هواه.
وقبل مغادرة تلك المحطة نشير إلى أن بعض المعلومات العسكرية الواردة مع النيل الأزرق النهر ومن النيل الأزرق الولاية تقول بأن فترة السلام شهدت خلع عدد كبير من منسوبي الجيش الشعبي لبذات الحرب وإستبدالها بالعباءة المدنية بحثاً عن الإستقرار، ولهثاً وراء ثمرات السلام.
إمكانية الربط
جلّ مخاوف القادة والعسكريين بدولة الشمال، تثيرها إمكانية إشتعال الشريط الحدودي مع دولة الجنوب بمباركة مباشرة من الأخيرة، ومشاركة فعلية من الحركات الدارفورية. وهو الأمر الذي أكد مصدرنا العسكري صعوبته وذلك لما قال أنه سيطرة الجيش على جنوب كردفان والنيل الأزرق بطريقة توصد الباب أمام تبادل المنافع بين قوات الجيش الشعبي ومستبعداً دخول الحركات الدارفورية في أتون الصراع لما وصفه بضعفها البائن وقاطعاً بقدرتهم على قطع أي أيادي خارجية هدفها العبث بأمن وسلامة الوطن.
غير أن لدكتور محمد أحمد بابو نواي أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في شؤون التماس وجهة نظر مغايرة تقول بإمكانية إشتعال الشريط الحدودي شريطة منح تسهيلات من دولة الجنوب التي لا يستبعد توفيرها الملجأ والمدد العسكري لمناهضي الخرطوم بجانب المساهمة في الربط العسكري بينهم، محذراً من مغبة تنسيق كبير يقوده عقار والحلو ويعمد لتفجير الأوضاع من الداخل الشمالي.
إثيوبيا على الحد
وتعد أثيوبيا الدولة التي لها حدود مشتركة مع دولتي الشمال والجنوب بعد إختيار الأخير تكوين دولته الخاصة مطلع يونيو المنصرم. ولجهة أنها مماسة للنيل الأزرق يبرز تساؤل موضوعي آني عن أين تضع أديس أبابا أرجلها في الصراع -تجاوزاً- بين جوبا والخرطوم؟
نواي يؤكد أن من مصلحة إثيوبيا إختيار الحياد حفاظاً على مصالحها الاقتصادية، وعلى حصصها المائية، وسكوتاً على بعض تجاوزاتها في أراضي الفشقة، بجانب أن حيادها يعني مكافحة الحروب بصورة تحول دون وصول ألسنة اللهب لثوبها، بجانب أن إنحياز أديس لجوبا يعني ضمنا معاداتها للخرطوم وبالتالي عودة لإجئيها ما يمثل ضغطاً على اقتصادها الساعي للنمو والتقدم أو لربما حتى إستغلالهم من جانب الخرطوم كخنجر ينغرس في خاصرة إثيوبيا الغربية .
النيل الأزرق .. حصة جغرافيا
وفي مجال الجغرافيا، تقدر مساحة النيل الأزرق بـ (250 × 200) كيلومتر مربع، وتحدها سنار وأعالي النيل وأثيوبيا. وتشتهر الولاية الشرقية بالغابات التي تشكل (65%) من مساحتها. وهي ولاية ممطرة ويشق أراضيها النهر الأقوى في البلاد والذي أخذت منه إسمها وتقطعها كذلك خيران موسمية شديدة الجريان نحو (يابوس، الدمت).
أشهر مدن الولاية على الإطلاق هي العاصمة الإدارية الدمازين، وقيسان المدينة التجارية الأولى المماسة لإثيوبيا، والروصيرص التاريخية، بجانب الكرمك الدائنة بصورة كبيرة للحركة الشعبية.
أما عن أشهر معالم الولاية فهو بلا شك خزان الروصيرص لتوليد الطاقة الكهربية وري المشروعات الزراعية وشهد مؤخراً إنتهاء تعليته لزيادة طاقته الاستيعابية. ذلك إلى جانب المشروعات الزراعية الكبرى نحو مشروع التكامل السوداني المصري شرق الروصيرص، ومشاريع الشيخ مصطفى الأمين، ومشاريع المؤسسة العسكرية وغيرها، وتنتج تلك المشروعات الذرة والسمسم وعباد الشمس فضلاً عن الصمغ العربي.
ووفقاً لدراسات جيلوجية، فإن ولاية النيل الأزرق من أثرى ولايات السودان بالمعادن ويعول كثيراً على تلك الخاصية في تغطية ما خلفه ذهاب الجنوب وبتروله.
تباً للحرب
على كلٍ، وأياًَ كانت المسوغات فإن الحرب وكما يقول الشاعر تثقل القلب، إذ لا منتصر فيها، والجميع يخسر ولكن بدرجات متفاوتة ولذا فالأمل كل الأمل أن يتم التوصل لصيغة تسوية ترضي الجميع ويكسب فيها الوطن ومواطنيه.[/JUSTIFY]
صحيفة الرأي العام