عبد اللطيف البوني

الإمام الشنقل الريكة!


[ALIGN=CENTER]الإمام الشنقل الريكة! [/ALIGN] في كرة القدم يخرج الفريق من المباراة أثناء سيرها إذا كان الفارق بينه وبين خصمه أكثر من هدف، ويعود إذا تقلص هذا الفارق وأصبح هدفاً واحداً، فمثلاً إذا كَانَت المباراة تسير 2 صفر لصالح الفريق (س)، فإذا أحرز (ص) هدفاً وأصبحت اثنين واحد يكون قد عاد للمباراة بسعيه للتعادل. مولانا الإمام الصادق المهدي منذ مجئ الإنقاذ في يونيو من العام 1989م ظل في أجواء المباراة السياسية ليس لأنّه ناشط سياسي ومفكّرٌ كبيرٌ ومحللٌ سياسيٌّ قدير، بل لأنّه كان آخر رئيس وزراء مُنتخب واكتسح حزبه آخر انتخابات شرعية.. ففي كل حركاته وسكناته من تختفون الى تهتدون الى تفلحون ظل الرقم الصعب ولم ينافسه إلاّ الراحل جون قرنق الذي كان مطروحاً كبديل هو الآخر، ولعل الإنقاذ استفادت من المنافسة بين الرجلين وهذه قصة أخرى، لقد وصل الصادق ذروة وجوده في المباراة السياسية في الانتخابات الأخيرة، إذ ترشّح فيها كمنافسٍ في رئاسة الجمهورية بكل وزنه السياسي، ولم يختبئ وراء شخصية أخرى كما فَعَلَ مولانا والشيخ فك الله أسْره، لقد أعطى ترشح الصادق الانتخابات زخماً ومشروعية أكبر من تلك التي أعطاها لها الجنرال غرايشون ثم جاء انسحابه منها وما صاحبه من تردّد وانسحابات و(مليارات) تعويضية، فخرج الإمام من أجواء المباراة السياسية.. فالانتخابات وبكل ما فيها من مفارقة للمعايير الدولية والمحلية إلاّ أنّها حقّقت أهدافها بالنسبة لمن خَطّطوا لها في الداخل والخارج، فَتَراجع مقعد السّيّد الصادق من آخر رئيس وزراء منتخب الى المرشح الرئاسي المنسحب. في الأسبوع الماضي طرح مولانا الصادق مُبادرة مُتعلقة بمياه النيل تستحق زخماً أكبر من الذي حُظيت به ولو سوّقت اعلامياً لكانت محاولة جادة من مولانا للعودة لأجواء المباراة حتى وإن لم يقصد هو ذلك، فأهم ما في هذه المبادرة أن مولانا خالف الحكومتين السودانية والمصرية في موقفهما من اتفاقية عنتبي الإطارية التي وقّعتها دول المنبع (مخالفته لحكومة السودان ليس فيها الجديد، إنما الجديد إذا اتفق معها، ولكن مخالفته للحكومة المصرية هي بيت القصيد)، فالسيد الصادق ضد التصعيد الذي ذهبت له الحكومتان خَاصةً المصرية وضد التهديد باستعمال القوة، وهو يرى أن لدول المنبع حقوقاً لابد من الاعتراف بها، وطالب سيادته الحكومات بتسليم ملف مياه النيل لقوى شعبية فتصدت الحكومتان للسيد الصادق، ومن مواقع تحتانية فوزارة الري السودانية صدر منها تصريح يقول إنّ مياه النيل مسألة سيادية ولا يُمكن لأية حكومة الابتعاد عنها، وقريب من هذا ما قال به ممثل السفارة المصرية في ندوة أُقيمت في بيت الصادق الأربعاء الماضي. سوف تموت مُبادرة السيد الصادق في مهدها هذا اذا لم تكن قد ماتت وانتهت، لأنّ الحكومتين المأزومتين في السودان ومصر لن تتركا هذا الملف الساخن، لا بل حتى دول المنبع المأزومة هي الأخرى لن تتنازل لقوى شعبية لإدارة هذا الملف، فالدواعي السياسية أقوى من الدواعي الفنية وهذه قصة أخرى، ولكن أفكار السيد الصادق الجريئة سوف تظل باقية ومتفاعلة لأنها تقول إنّه لا مبرر للعداوة بين دول حوض النيل، وإنّ حقوق دول المنبع ينبغي أن ينص عليها، وإنّ حقوق دول المجرى والمصب محفوظة، وإن إطارية عنتبي يُمكن تطويرها، وإنّ التعايش بين دول حوض النيل مُمكن ومطلوب، وهكذا دوماً الصادق (رجل نفسه) يقول ما يراه صواباً ولو كان خصماً على أشياء أخرى.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 8/6/2010
aalbony@yahoo.com