تحقيقات وتقارير
اسعار السكر بين آلية السوق ونمط الاستهلاك الداخلي
وفيما يتعلق بآلية السوق فهي ايضا تأثرت كثيرا بعدد من العوامل أهمها جغرافية الانتاج حيث يعتبر السودان ثالث اكبر منتج للسكر في القارة الأفريقية ، وهو الدولة المحاطة بحوالى تسعة دول تربطها بالسودان علاقات تجارية تتسع فيها عمليات التبادل التجاري التي منها مايعرف بالتجارة “البينية ” المقننة في حين تتخلل تلك النشاطات التجارية عمليات تهريب بين الحدود لكثير من السلع والمنتجات التي يأتي السكر في قائمة تلك السلع
وبالنظر الى تركيبة الصادر والوارد للدول المحيطة بالسودان نجد ان كثير منها يعتمد على الاستيراد في توفير احتياجات اسواقه الداخلية من سلعة السكر ، فضلا عن مايرد الى اسواق تلك الدول من كميات مهربة من السكر يرد كثيرا منها من السودان بحكم انتاجه الكبير لهذه السلعة في حين تمتد آثار عمليات التهريب لتنعكس على آلية العرض والطلب فتقوى مكانة السكر كسلعة استراتجية في السوق المحلية والاقليمية
وفي الاطار نفسه تتأثر الية السوق ايضا بالنجاح الذي حققته سياسة التصدير السودانية في الفترة الأخيرة حيث دخلت قطاعات انتاج السكر السوداني في عقود طويلة الأجل لتصدير السكر الأمر الذي ينعكس بالضرورة على الاسعار في الداخل في وقت ظل فيه العرض متأثرا بعمليات تهريب يصعب تقدير كمياتها وبالتالي يصعب تقدير ماينبغي تخصيصه للسوق المحلي وماينبغي تخصيصه للتصدير
اما نمط الاستهلاك الداخلي فهو ايضا غير منفصل بشكل او بآخر عن مفهوم العرض والطلب ، حيث يشتهر المستهلك السوداني بافراطه في استخدام السكر ، ولايخفي على الكثير اسلوب ” التكييل بالمكيال ” عند تطعيم كوب واحد من الشاي بدلا من التقييس بالملعقة المعروفة على مستوى العالم بانها ملعقة شاي
وبهذا النمط الاستهلاكي يرتفع معدل الاستهلاك الفردي للسكر وبالتالي يزداد الطلب على هذه السلعة مما ينعكس على السعر كنتيجة طبيعية
يأتي هذا السلوك المفرط في استهلاك السكر نتيجة قناعة سائدة بين كثير من قطاعات المستهلكين في الريف السوداني بان السكر هو البديل الوحيد لهم ليمدهم بالطاقة لكونهم لايتناولون الفوكه !
يلجأ الناس لهذا المبرر بتلقائية واضحة في وقت تتوفر فيه الكثير من الفواكه باسعار قد يكون بعضا منها ارخص من سعر رطل السكر ، ولكن رغم ذلك تتضخم منصرفات الكثير من العائلات بسبب بند السكر مع امكانية تخفيض ذلك البند اذا حدث تغيير طفيف في العادات الغذائية للاسرة السودانية ورجعنا الى استخدام ” الملعقة ” بدلا عن “التكييل ” بالكباية لتطعيم كوب شاي واحد وهي كمية تكفي تطعيم ابريق شاي لخمسة اشخاص تقريبا في كثير من دول العالم ، لكننا في السودان نطعم بنفس الكمية لكوب شاي لشخص واحد فقط !
على اية حال طالما إمكانيات صناعة السكر في السودان تعتبر واعدة بفضل توفر المساحات الشاسعة واعتدال المناخ الذي يناسب زراعة قصب السكر والبنجر السكري مع قلة تكلفة الانتاج في وقت تحتل فيه تكلفة انتاج الطن الواحد في السودان المرتبة الثامنة عشر في سلم أقل تكلفة إنتاج في العالم ، فان الامل معقود على تراجع سعر السكر بالداخل دون التدخل الحكومي لضبط الأسعار فضلا عن الأثر الايجابي الذي سينعكس على مستوى الايرادات في حال زيادة الانتاج في المستقبل ، خصوصا وان انتاج السكر موعود بالزيادة في حال بدء الانتاج الفعلي للمشروعات الجديدة مثل سكر النيل الأبيض وسكر النيل الأزرق جنبا الى جنب انتاج المصانع الحالية وهي كنانة وعسلاية والجنيد وسنار وحلفا الجديدة
كما نامل في ان يزداد الوعي الغذائي في المناطق الريفية ويتجه اهلنا الى الاهتمام باستهلاك الفاكهة والتالي ادراجها ضمن عملياتنا الزراعية حتى ولو في ساحات الحيشان ان لم تكن في الحواشات ولا نقل الجنائن المعروفة بكلفتها العالية
اعداد طارق أشقر :سونا [/ALIGN]