جعفر عباس

نرجسيون حتى وهم موتى

[ALIGN=CENTER]نرجسيون حتى وهم موتى[/ALIGN] من أجمل بقاع العالم التي زرتها، مرتفعات جينتنج في ماليزيا، وبها منتجع تصعد اليه بالسيارة او العربات الكهربائية المعلقة مخترقا السحاب، وتنتقل خلال دقائق من درجة حرارة 35 درجة الى 15 درجة، لتجد سلسلة فنادق رائعة الجمال وفارعة القوام، بعض غرفها تحت السحاب وبعضها فوقه، وهناك متنزهات سياحية ومدن ألعاب تناسب كل الأعمار.
شيد المنتجع رجل أعمال ماليزي من أصل صيني، وعند منحنى خطر في الطريق الى المرتفعات ترى مبنى صغيرا وجميلا يكاد يسقط من حافة جبل، وسألت عن “المجنون” الذي يمكن ان يقيم في مبنى كذاك فقيل لي إنه قبر الصيني صاحب المنتجع، وأنه رتب ليدفن هناك لأنه يريد ان يطل من قبره على السياح المتجهين الى فنادقه ومتنزهاته.. وهكذا، ورغم أن المنتجع ما يزال في نظري من أجمل بقاع الأرض إلا أن من شيده سقط من نظري: ما هذا البله والخبل والعبط الذي يحمل شخصا ما على الظن بأنه يستطيع فعل ما يشتهي وهو في قبره؟ لماذا ظل محمد الفايد صاحب محلات هارودز اللندنية (التي اشترتها دولة قطر منه وأراحتنا منه) يردد عبر وسائل الإعلام رغبته في ان يدفن في ضريح في سقف هارودز؟ ولماذا أعلن اعتزامه استنساخ نفسه؟ النسخة الأصلية مضروبة فما بالك بالنسخة المقلدة؟
إندونيسيا بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر رغم القفزات الاقتصادية الضخمة التي تحققت بعد زوال حكم ديكتاتورها الفاشستي سوهارتو، وفي أطراف العاصمة جاكرتا هناك موقع جميل به مطاعم فاخرة ومطار صغير ومدينة ألعاب وأحواض سباحة وبحيرة صناعية ضخمة، وهذا الموقع ليس مخصصا للسياحة او لاجتذاب الناس لقضاء وقت بهيج بل هو مشروع تجاري مخصص للأغنياء……… الأموات، فإذا كنت غنيا تستطيع شراء قبر أبعاده متران في ثلاثة أرباع المتر بألف دولار أمريكي وتموت مبسوط و”متكيف”.. منذ تدشين المقبرة أم خمس نجوم اشترى 14 ألف من الأغنياء قبورا فيها وشرع معظمهم في التفنن في تزيين مكان دفنه بما يليق بمكانته ومركزه، كي يأتي الناس بعد موته ليقفوا على قبره ويقولوا: يا سلام.. قبر “يرد الروح”.
هل يفعل هؤلاء الأغنياء الأغبياء ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم يستطيعون بعد موتهم استخدام فلوسهم لـ”استئناف” قرار موتهم (على وزن ما يقوله بعض العامة “فلان مات ناقص عمر” وكأنهم اطلعوا على دفتر الأعمار!!).. هل سيدفعون رشوة للديدان كي لا تفتك بجثثهم حتى يتسنى لهم “الاستيقاظ” وهم في حالة جسمانية جيدة، للذهاب الى حوض السباحة أو الجلوس في المطعم الايطالي في المقبرة؟ هب أن هؤلاء الأغنياء الأغبياء ليسوا مسلمين ولا يعرفون بأمر عزرائيل ومنكر ونكير ولاحقا الصور وإسرافيل: هل يصدق عاقل ان القبر المزين بالرخام والمرمر آخر طراوة وحلاوة مقارنة بالقبور “البلدية”؟
من يجمعون ثروتهم بالجهد والعرق لا يتميزون بالبله والخبل والنزعات الاستعراضية!! مستجد النعمة ومن يصيبون الثراء بطرق سريعة او ملتوية هم الأكثر ميلا إلى الفشخرة، وإذا مات لهم عزيز جعلوا من المأتم مناسبة خمس نجوم من حيث الخدمات.. وأغنياء إندونيسيا الذين يتبارون لإعداد قبور فخمة لأنفسهم غير جديرون بـ”الحياة”.. نعم فمن يشغل نفسه بهيئة وديكور قبره وهو على قيد الحياة شخص غبي، فعوضا عن الاستمتاع بثروته في دنياه يخطط للعنطزة والمنظرة بعد موته.. طيب يا شاطر خلي قبرك الأبهة ينفعك لما تموت في حادث طائرة أو يغرق بك زورقك الجميل في المحيط الهندي وينتهي بك الأمر مدفونا في جوف سمكة قرش!!

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com