[ALIGN=CENTER]إعادة نظر (2) [/ALIGN]
عندما أفردت أوسع المجلات السياسية انتشارا في العالم (تايم الأمريكية) نحو عشرين صفحة لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تدور رحاها عند أبناء عمومتي في جنوب إفريقيا، كان ذلك بالنسبة لي مؤشرا إلى أن إهمالي لأمر هذه اللعبة بل وكرهي لها غير مبررين: هي أكثر نشاط إنساني يمارس في كل القارات (ولا يسبقه إلا مجالا الأكل والشرب)، وهي لعبة ديمقراطية، ليس فيها كبير وصغير، ولست بحاجة الى ترتيبات وتجهيزات معينة لتمارسها.. تستطيع ان تلعب كرة القدم وانت ترتدي ما تشاء من الملابس (ما عدا العباءة النسائية الخليجية).. بينما لا تستطيع ان تمارس ألعابا مثل التنس او البيسبول او الملاكمة او الغولف او الفوتبول الامريكي إلا وأنت تملك الملابس والعتاد اللازمين! لا يهم ان تكون أسود أو أبيض أو أصفر.. ولا غنيا أو فقيرا،.. أغنى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة لا يستطيع فريقها الوطني الصمود لدقائق أمام منتخب الكاميرون، إحدى أفقر دول العالم ومع هذا أنجبت صمويل إيتو، أغلى لاعب في تاريخ الكرة الإيطالية ودروغبا نجم نادي تشيلسي الانجليزية.. ولا يهم أن تكون طويلا أو قصيرا.. تستطيع ان تلعب كرة القدم وعمرك 67 سنة أو سنتان.. وقد تصبح نجما لامعا في بطولات الكرة وطولك يقارب المترين أو فوق المتر بقليل (مارادونا الأرجنتيني).. ربما كان الأشخاص المحرومون من ممارستها فقط من وزن الواحد منهم فوق المائة “كيلومتر مكعب”،.. لا يهم بأي دين تدين.. وهي ديمقراطية لأن كل من يحصل على شيء مكور او مستدير يستطيع الاستمتاع بها: لفافة بلاستيك أو جوارب قديمة أو علبة فارغة،.. تتقاذفها الأرجل في ميدان معشب او ساحة ترابية او ارض مسفلتة أو داخل غرفة (من وراء ظهر ماما).
ومتابعة معظم الألعاب الرياضية تتطلب ثقافة واسعة لأن قوانينها مركبة ومربكة ومعقدة، بينما قوانين كرة القدم في منتهى البساطة: لا تلمس الكرة بيدك ولا ترفس لاعبي الفريق الخصم (بالمناسبة لا أعرف ماذا يفعل معي حكم مباراة كرة لو – مثلا – ضربت لاعبا من فريقي: هل يقول زيتكم في دقيقكم ويتركني أم يعطيني الكرت الأحمر ويطردني).. ورغم انني قررت تطبيع العلاقات مع كرة القدم إلا أنني سأظل معارضا للهوس الكروي الذي يقود الى التشابك بالأيدي والسلاح، قبل سنوات تعرض اللاعب الكولمبي أندريه اسكوبار للاغتيال بعد ان سجل هدفا في مرمى فريقه عن طريق الخطأ. وما فعله الغوغائيون خلال لقائي فريقي مصر والجزائر مؤخرا يجعلني أقول: إلى أي مدى كانت تلك الفئة ستتمادى في ممارساتها الجاهلية لو كان أي من الفريقين يملك متطلبات الصمود في الجولة الأولى من البطولة؟!!!
في بطولة كأس العالم لعام 2006 نجح اتحاد كرة القدم الدولي (فيفا) في تحصيل 875 مليون دولار فقط من الشركات الراعية للدورة (وهناك طبعا مئات الملايين مقابل حقوق البث التلفزيوني).. وإذا رأيت ولدك يكثر من ركل علبة البيبسي الفارغة داخل البيت، بادر بشراء كرة مطاطية واسمح له بجعل غرفة الجلوس ملعبا.. وإذا كبر وأهمل دروسه بسبب حبه للكرة لا تشتمه او تضربه فقد يأتي يوم يصير فيه راتبه في شهر أكثر من راتبك في ثلاثين سنة وتندم على العمر الذي ضيعته أنت في الفيزياء والمفعول به وخط الاستواء.. لاعب البرتغال كرستيانو رونالدو يكسب في شهر واحد ما يكسبه عشرة استشاريين طبيين في مائة سنة.. بلا طب بلا هندسة بلا بطيخ.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com