عبد اللطيف البوني

كلنا سرقنا الفأس


[ALIGN=CENTER]كلنا سرقنا الفأس [/ALIGN] كان في دنيا السودان السياسية قوى يسارية حقيقية يتقدمها الحزب الشيوعي، وكانت هناك أحزاب وطنية ليس لها امتدادات خارجية، وإن شئت قل أحزاب تقليدية كالأمة والاتحادي، وهناك القوى الإسلامية التي تتزعمها الجبهة القومية الإسلامية بمسمياتها المختلفة، والتي وصلت الآن حزب المؤتمر بشقيه الوطني والشعبي. أمّا الأحزاب الجنوبية فقد فرزت عيشتها منذ زمن؛ ولكن طغت عليها الحركة الشعبية. بعد مجيئ الإنقاذ تمّت عسكرة الصراع السياسي في البلاد فانجرّت القوى اليسارية والأحزاب التقليدية وراء هذه العسكرة دون أن تمتلك مقوماتها فهجرت النشاط السياسي العادي أو ما أسماه السيّد الصادق الجهاد المدني، ولما استبان لها ضعفها العسكري تأرجحت بين الإنقاذ والحركة الشعبية مع ميل أكثر على الأخيرة. تمّ تكوين التجمّع الوطني فكانت الحركة الشعبية جناحه العسكري أما قوات الفتح والأمة والتحالف كانت بمثابة التابع لجيش الحركة ثمّ فيما بعد عزّ عليها الصمود، فذهبت مع الريح وفي نفس الوقت لم تستطع العودة للعمل السياسي المدني الفاعل، و ظلّت تابعة للحركة الشعبية. اتفاقية نيفاشا كانت كفيلة بأن تفوق هذه الأحزاب لنفسها، وتشق طريقها الخاص إما منفردة أو مجتمعة، ولكنها فشلت في ذلك نسبة لضعف بنيوي أصاب هذه الأحزاب، وظلت احتياطياً للحركة الشعبية تلجأ إليه عند الطلب، وتستقوي بها في مواجهة المؤتمر الوطني، ففي أثناء مفاوضات نيفاشا عندما اختلف المتفاوضون حول وضع العاصمة القومية استطاع جون قرنق أن يجذب السيدين الميرغني والمهدي إليه. بعد نيفاشا وأثناء الفترة الانتقالية ظلّت هذه الأحزاب الوطنية واليسارية في كنف الحركة الشعبية، وساعد على ذلك مواقف صقور الوطني العدائية منها واتفاقياته التي تكتب بقلم الرصاص معها، وتواصل دعمها للحركة الشعبية حتى عندما اختلفت مع الوطني في قانون تقرير المصير، فالوطني أراد تصعيب الانفصال بالقانون، والحركة أرادت تسهيله بالقانون، فظفرت بما تريد نتيجة لدعم تحالف الأحزاب الشمالية لها، الذي اتخذ تحالف جوبا اسماً له. إذن استطاعت الحركة الشعبية توجيه دفة الحراك السياسي في البلاد بصورة لم تحدث لحزب جنوبي من قبل وساعدها في ذلك تشدد المؤتمر الوطني وضعف الأحزاب ومظهر الحركة القومي، فقطاع الشمال كان الأطول لساناً بها ولكن للأسف هاهي الحركة تجيّر كل تلك المكاسب، وكل تلك الدعومات الكبيرة لمصلحة الانفصال، وبهذا تكون هذه أكبر عملية (تدقيس) في تاريخ البلاد عملية الانفصال التي سوف تتم في مطلع العام المقبل ستكون صناعة الحركة الشعبية بنسبة المية المية، فالحركة لعبت (بولتيكا صاح) وأسهمت الأحزاب الوطنية والجماعات اليسارية مساهمة فعّالة في تقوية الحركة سياسياً لا بل مكّنتها من فرض رؤيتها وإرادتها، وبهذا تكون هذه الأحزاب أسهمت في فصل الجنوب اسهاماً لا يقل عن إسهام المؤتمر الوطني في هذا الأمر، والمؤتمر الوطني تفوق عليها بأنّه حافظ على وجوده العضوي. إنّ ضعف هذه الأحزاب الوطنية والذي تسببت فيه عوامل كثيرة منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي هو الذي عرّض هذه البلاد لهذا المصير البائس، فهذه الأحزاب تآكلت داخلياً والمؤتمر والحركة لم يرحمانها، فكانت النهاية المحتومة المشكلة الآن كلنا نبكي مع أننا جميعاً تآمرنا على سرقة الفأس.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 24/6/2010
aalbony@yahoo.com