عبد اللطيف البوني

أديس.. ماذا هناك ؟


[ALIGN=CENTER]أديس.. ماذا هناك ؟ [/ALIGN] جاء في الأخبار أنّ الشريكين المتشكاسين الحاكمين المقتسمين لثروة وسلطة السودان القديم قد اجتمعا في أديس أبابا تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، وأنّ هذا الاجتماع قد تمخض وضع خارطة طريق لبقية الفترة الانتقالية من حكم السودان الحالي، وقد كوّنا أربع لجان واحدة مختصة بالشؤون الاقتصادية، وأخرى مختصة بالشؤون الأمنية، وثالثة بالمواثيق الدولية، أخيرة بالشؤون الدولية (اللَّهم أحسن وبارك)، كما قرّر الطرفان مواصلة التفاوض في الخرطوم (كرش الفيل) وبحضور دولي على مستوى الجماعة الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ليس هذا فحسب بل هناك دعوة مصرية لمواصلة التفاوض في القاهرة في منتصف يوليو القادم( شفتو العزومات دي كيف ؟ عريس جايي من شهر العسل ياربي؟). إنّ الذي تمّ في أديس أبابا وسوف يتواصل في الخرطوم وربما القاهرة أمر جدير بالتوقف، فلو رجعنا لفترة ما بعد الانتخابات مباشرة سوف نلحظ أنه كانت هناك سخانة شديدة في الطقس السياسي، فالشريكان خرجا من الانتخابات منتصرين (بالدوغري أو باللولوة المهم النتيجة)، فالمؤتمر إنفرد بالشمال وكشَّ الآخرين، والحركة انتصرت في الجنوب وجابت خبر حتى أطور، ولما خلا لهما الجو أراد كل فريق لأن يُجيّر ذلك الانتصار لأجندته الخاصة تجاه الآخر، فالمؤتمر الوطني بذات نجاحة في (لعبة) الانتخابات قال (أنا عاوز وحدة وبس وبذات طريقة الانتخابات)، والحركة الشعبية قالت نفس الشيء وبذات اللهجة ولكن في اتجاه معاكس(أنا عايزة انفصال وبذات طريقة الانتخابات)، فتكهرب الجو بين الشريكين وأخذ كل واحد منهما يبرز عضلاته للآخر. الحركة الشعبية لعبت بولتيكا صاح إذ استغلت البعد الدولي الأمر يعوزه المؤتمر الوطني، فطفق السيد باقان أموم يجوب الدنيا ويُبشِّر بالانفصال، ويطالب بالدعم (المُقدّم) بينما ظل الوطني يهدُر محلياً ووسط جمهور ليس له صوت في عملية تقرير المصير. باقان لم يكتف بطلب الدعم الدولي بل صوّر الإنفصال كأنه ثورة تحرير افريقية تريد الخلاص من مستعمر، فهو يتكلم عن جشع الشمال وطمعه في بترول الجنوب، لا بل يقول للأمريكان يجب أن تغيِّروا نظام الخرطوم إلى نظام ديمقراطي علماني، ويصف السفارة الأمريكية الجديدة في الخرطوم بأنها لدعم استقلال الجنوب. كل هذا يشي بأنّ حكومة الجنوب القادمة ستكون تحت الطلب لمساعدة كل من يتقدم للنيل من الخرطوم، وما أكثرهم وما أكثر مداخلهم. الخرطوم من جانبها لم تُقصِّر وكالت لباقان من التقيل وأعلنت أنها سوف ترد الصاع بصاعين؛ والحال هكذا كان لابدّ من أن يكف الطرفان عن فورة ما بعد الانتخابات لاسيما وأنها يعرفان بعضهما جيداً لأنهما (دافنينو سوا) في الانتخابات وفي غيرها، فكان المطلوب أن تكف الخرطوم عن حكاية حتمية الوحدة لأنّ في هذا خرقاً لاتفاقية السلام، وكان المطلوب من قادة الجنوب أن يكفّوا عن تصوير الإنفصال بأنه معركة تحرير من مستعمر غاشم وطامع. لقد تخلّقت روح جديدة فحواها أنّ الإنفصال عملية دستورية يمكن أن تتم بالتراضي وبدون أي شوشرة، وهو ليس عملية تحرير كما أنّ الوحدة لن تُفرض بالقوة، وأنّ شعب الجنوب هو الذي سوف يقرر الاستمرار مع الخرطوم أو فرز العيشة عنها، وأنّ الحركة الشعبية هي الحاكم الفعلي والشرعي للجنوب وليس الخرطوم. وتحت هذه الروح جاءت اجتماعات أديس أبابا الأخيرة فهي من ناحية شكلية تعني الخروج عن روح ما بعد الانتخابات المتحدّية، ومن ناحية موضوعية تعني أنّ الجميع اقتنع بأنّ الإنفصال إذا حدث فمن الأحسن للطرفين أن يتم بهدوء، وبالتالي لابد من إزالة كل الألغام المزروعة في طريق هذا الإنفصال و(هاكم البلدوزردا).

صحيفة التيار – حاطب ليل- 29/6/2010
aalbony@yahoo.com