عبد اللطيف البوني

احذروا الصامتين!!


[ALIGN=CENTER]احذروا الصامتين!! [/ALIGN] الزميل الأستاذ فيصل محمد صالح وفي عموده المقروء “أفق بعيد” بالشقيقة “الأخبار”، أبدى حيرته في العداء المستحكم بين انفصاليي الشمال وانفصاليي الجنوب، مع أنّ المنطق يفرض التقارب بينهما لوحدة الهدف، وأرجع فيصل ذلك العداء لعدم عقلانية دعوى الفريقين وللكراهية المستفحلة بين أفراد الفصيلين.. وتزداد حيرة الأستاذ بانشغال كل طرف بالآخر وشيطنته، بينما كان يفترض أن ينصرف كل إلى حال إقليمه وفي النهاية وصل فيصل إلى خلاصة مفادها (أنّ الانفصاليين الحقيقيين في الشمال وفي الجنوب يعملون في صمت وهدوءٍ ويخططون وربما ينسقون معاً) انتهى.. ما وصل إليه صديقنا فيصل يُذكّرني بقصة العمدة الذي جاء إلى قريتنا للفصل في نزاع على قطعة أرض بين أبناء عمومة مُتجاورين، وبعد أن تجوّل ببصره في الحضور واستمع إلى دعاوى الطرفين وسط صخب المتخاصمين و(كواركيهم)، طلب من الجميع لحظة هدوء، وقال: أريد أن أعرف كل أطراف النزاع فأبرزوا له فاختار أكثرهم صمتاً واختلى بهم بعيداً عن الحضور، وعندما طَالَبه البعض باصطحاب الذين كانوا يتصدّرون النزاع ويصيحون (عليّ الطلاق حدّنا الموت وعليّ الطلاق إلاّ أشرب من دمك و…و…)، رَدّ العمدة بالقول: (ناس الكواريك خلوني منهم أنا داير الناس الكارسين ديل)، وبالفعل وفي ظرف دقائق مَعدودة عاد العمدة ومعه الطرفان ورسموا الحدود المتفق عليها ورفعوا الفاتحة ثم تمت عملية تصافي وانتهت المشكلة.. إذا جمعنا بين ما ذهب إليه فيصل وما فعله العمدة علينا أن ننظر للصامتين ونترك ناس الكواريك إذا أردنا الإقتراب من قضية تقرير المصير هذه.. وكي أزيد حيرة فيصل من الشعر بيتاً أذكّره بالعلاقة المأزومة بين الوحدويين الشماليين والجنوبيين، فإذا افترضنا أن شماليي الحركة الشعبية وحدويين وجنوبيي المؤتمر الوطني وحدويين، المنطق يقول إنّ العلاقة بينهما كان يجب أن تكون سمناً على عسل، لا بل كان ينبغي أن يكون هناك تنسيقٌ بينهما، ولكن للأسف كانت العلاقة بينهما مُتردية جداً.. فجنوبيو المؤتمر الوطني كانوا يكرهون شماليي الحركة كراهية العمى، ونفس الشئ يحمله شماليو الحركة، لا بل حتى الذين اقتربوا من المؤتمر الوطني وتحالفوا معه أمثال بونا ملوال ولام أكول كانت علاقتهم مع قطاع الشمال في الحركة سيئة جداً ويعتبرونهم متطفلين على قضية الجنوب ولأسبابٍ ذاتيةٍ.. إنّ هذه المفارقة في علاقة انفصاليي الجنوب، بانفصاليي الشمال ومن جهة اخرى علاقة وحدويي الشمال مع وحدويي الجنوب تستحق التوقف والتحليل ونزعم هنا أنها هي التي شكلت الفترة الانتقالية المنتهية في يناير المقبل، لذلك جاءت مُجمل الفترة أبعد ما تكون عن العقلانية والتصرفات الموضوعية، فكانت النتيجة المحتومة وهي الانفصال الذي أصبح أقرب إلى البلاد من حبل الوريد، وهنا يبرز السؤال أين عُقلاء السودان الذين يتصرفون بغير عقدة كراهية؟ لماذا تركوا مصير البلاد بيد هؤلاء المتطرفين في فهمهم وفي تصرفاتهم؟ أم أنّ هؤلاء (المزعجين) كانوا يتصرّفون نيابةً عن (الصامتين) بلغة فيصل، أي كانوا أبواقاً (للكارسين) بلغة عمنا العمدة..؟ إن كان ذلك كذلك فقد تمّ (تدقيسنا) جميعاً ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 30/6/2010
aalbony@yahoo.com